الدليل الأول: أن الإيمان في أصل اللغة للتصديق، فوجب أن يكون كذلك في عرف الشرع، لئلا ينافيَ وصفَ القرآن بكونه عربيا. وقد سبق الجواب عنه عند الكلام على معنى الإيمان في اللغة. وأزيد هنا قول شيخ الإسلام رحمه الله: " وأهلُ البدع إنما دخل عليهم الداخل لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق [1] ، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها، إما في دلالة الألفاظ، وإما في المعاني المعقولة، ولا يتأملون بيان الله ورسوله، وكلُّ مقدماتٍ تخالف بيان الله ورسوله، فإنها تكون ضلالا" [2] .
الدليل الثاني: أن الإيمان أكثرُ الألفاظ دَوَرانا على ألسنة المسلمين، فلو صار منقولا إلى غير مسماه الأصلي، لاشتهر وبلغ حد التواتر. والجواب عن هذا القياس الاستثنائي من الشرطية المتصلة [3] ، أننا نلتزم المقدمةَ الكُبرى، ولكننا نمنع الصغرى التي هي في حالتنا هذه رفعٌ للتَّالي من الكبرى. وبعبارة أخرى أكثرَ وضوحا لسنا نقر عدم تواتر المعنى الشرعي للفظ الإيمان، عَلِمَ ذلك مَنْ عَلِمه وجهله مَن جهله. فقد سبق أن نقلتُ من النقول عن السلف الصالح رضوان الله عليهم ما يكفي – إن شاء الله تعالى – في إثبات كون هذا المعنى الشرعي متواترا لديهم، ومُجمعا عليه عندهم. لذلك قال ابن تيمية رحمه الله في معرِضِ ردِّه على القاضي أبي بكر الباقلاني: " قوله: لو فُعِل لتَواتَر، قيل: نعم، وقد تواتر أنه أراد بالصلاة والزكاة والصيام والحج معانيها المعروفة، وأراد بالإيمان ما بيَّنهُ بكتابه وسنة رسوله من أن العبد لا يكون مؤمنا إلا به … فقد تواتر عنه من معاني اسم الإيمان وأحكامه ما لم يتواتر عنه في غيره، فأيُّ تواتُرٍ أبلغُ من هذا؟ " [4] . [1] - أي طريق البيان النبوي الشافي. [2] - مجموع الفتاوى: 7/288. [3] - انظر "ضوابط المعرفة" لحبنكة الميداني: 269، وغيره من كتب المنطق. [4] - مجموع الفتاوى: 7/129.