شريعته ظاهراً وباطناً. وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه [1] حتى يفعل ما أمر به، فهذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان التي قام عليها بناؤه" [2] .
والحاصل أن السلف وعلماء أهل السنة والجماعة في كل عصر إنما يستخدمون في منهج التفكير المنطق الفطري البدهي الذي ينقسم عمل الإنسان بحسبه قسمين: "ظاهر وباطن".
فالباطن: قول القلب وعمله، والظاهر: قول اللسان وعمل الجوارح (3)
فعلى هذا قالوا: الإيمان قول وعمل، أي شامل للظاهر والباطن، لا سيما إذا ضممنا إلى ذلك ما هو معروف - بداهة وفطرة - من أن حقيقة الإنسان قسمان: "قلب وأعضاء"، وأعماله قسمان: "أقوال وأفعال"، فيكون أشمل عبارة أن يقال "قول وعمل بالقلب والأعضاء"، وهذا هو مراد السلف قطعاً، وإنما اكتفوا عن آخر القصد إلى المطلوب بإيجاز دون العروج على ما هو معلوم بداهة.
وبهذا يظهر أن عبارة "قول وعمل" على إيجازها جامعة مانعة، لا من جهة أنها حد منطقي - أي تعريف للماهية - ولكن من جهة أنها كشف عن الحقيقة وبيان لها.
ولذلك فإنني - بعد طول تأمل - أختار هذه العبارة وأفضلها على عبارة: "اعتقاد بالجنان وقول باللسان، وعمل بالأركان" ونحوها، على أن تشرح بما أوضحنا آنفاً. ومن أسباب الاختيار:
1 - أنها المنقولة عن متقدمي السلف، مع إيجازها وشمولها.
2 - أن العبارة الأخرى لا تسلم أيضاً من الفهم الخطأ. [1] أي الكمال الواجب الذي لا تكون حقيقة الإيمان إلا به وبدونه لا تكون للإيمان حقيقة، بدليل أنه جعله ركناً والركن يلزم من عدمه عدم الماهية. [2] عدة الصابرين ص 129
(3) يقول ابن القيم "الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره: قول اللسان وعمل الجوارح، وباطنه: تصديق القلب وانقياده ومحبته، فلا ينفع ظاهر لا باطن له، وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية، ولا يجزئ باطن عن ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك، فتخلف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان، ونقصه دليل نقصه وقوته دليل قوته". الفوائد ص 85