براءة الصحابة رضي الله عنهم من الإرجاء ذاتا وموضوعا
إن البحث في نشأة الفكر الإرجائي يستلزم منا بالضرورة أن ندحض بالحجج الصريحة ما ذهب إليه بعض الناس، من القول بأن أصل المرجئة هو تلك الطائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم تخض فيما خاض فيه غيرها من الفتن، وفضلت الاعتزال والإمساك عن الدخول في تلك المأساة الكبرى.
وهذا الزعم تبناه قديماً بعض رؤوس الضلالة من المتكلمين وأعداء الصحابة، كالرافضة والخوارج، ولكنه ظل قولاً مهلهلاً مندثرا، حتى بعثه المستشرقون وأتباعهم من المستغربين، فدرج على ألسنة المؤرخين والدارسين للفرق وتداولوه حتى أصبح كأنه حقيقة مسلمة، وأرجعوا الفضل في اكتشافها إلى "المنهج العلمي" الذي انتهجه المستشرقون!!
والمسألة بالنسبة لنا بدهية معلومة من الدين بالضرورة؛ فالكلام في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دين، والدين لا يؤخذ عن المسلم الفاسق، ولا اعتبار لرأيه فيه، فضلاً عن المبتدع الضال؛ كالكعبي [1] ، والجاحظ [2] ، فضلاً عن الكافر الحاقد كعامة المستشرقين.
والله تعالى قد قال في الفاسقين: «ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً» ، والحكم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من مجرد الشهادة، لأنه دين واعتقاد، وإذا كان من شريعتنا رد شهادة المسلم الفاسق في دعاوى الحقوق الدنيوية، فما بالك بمن يتجرأ على خيار الأمة وأفضل البشر بعد الأنبياء من الصليبيين واليهود!
لقد مقت سلف الأمة عمرو بن عبيد، وضللوه وبدعوه من أجل طعنه في المقتتلين من الصحابة، هذا مع ما هو مشهور عنه من الزهد والتعبد ومجانبة [1] انظر: التوحيد للماتريدي، ص 318، تحقيق: فتح الله خليف.... حيث نسب بعضهم للإرجاء والجبر [2] انظر رسالته في "النابتة"، ضمن رسائله التي نشرها عبد السلام هارون، وقد نشر الرسالة لأول مرة "فان فلوتن" الآتي ذكره، وعليها اعتمد، ثم تبعه المستغربون.