السلاطين، فكيف يلتفت المسلم إلى آراء أهل الكتاب الذين تغلي مراجل قلوبهم بالحقد على الإسلام، وتنفث ألسنتهم السم الزعاف عليه، وما تخفي صدورهم أعظم؟!
فماذا نتوقع من "جولد زيهر" اليهودي إلا مثلما ذهب إليه سلفه عبد الله بن سبأ أو أعظم، وماذا نظن بـ "فان فلوتن، وكريمر وويلهاوسن [1] ، ونيكلسون ... " وأضرابهم أن يقولوا، والحرب الصليبية لم تتوقف لحظة واحدة، ولن تتوقف حتى تكون الملحمة مع الروم بأرض الشام بين يدي الساعة كما صح عن الصادق المصدوق؟
وإن من يقبل كلام هؤلاء - بل يجله ويعظمه - يلزمه أن يقبل كلام عبد الله بن سبأ، وحمدان قرمط، وابن الراوندي، وميمون القداح، وابن النغريلة، وإلا فإنه متناقض، أو مخدوع بالمسحة العلمية الحيادية التي يزعمها هؤلاء المستشرقون.
وما كان لنا أن نأبه بآراء المستشرقين ونشغل بردها لا في هذه القضية ولا في ما هو دونها، فنحن لا نتوقع منهم إلا هذا ومثله، فقد تبين لي من قراءة كافية في كتبهم أنهم قوم بهت - كما وصف عبد الله بن سلام رضي الله عنه أجدادهم اليهود - وأنهم لو كان الافتراء على الإسلام في السماء لاتخذوا إليه سلما، ولو كان في الأرض لابتغوا إليه نفقاً.
ولكن اقتداء كثير من الكتاب المنتسبين إلى الإسلام بهم ومتابعتهم لرأيهم، واستناد هؤلاء وأولئك إلى آراء مخطئة أو أقاويل بدعية جعل تبيان هذه القضية أمراً ضرورياً.
فقد نقل عنهم واقتدى بهم علماء شريعة مشهورون، ومتخصصون في العقيدة بارزون، ومؤرخون وأدباء لهم مكانتهم، وذلك مثل الشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور على سامي النشار، والدكتور مصطفى حلمي، والدكتور نعمان القاضي ... فضلا عن أحمد أمين وطه حسين وسهير القلماوي وشاكر مصطفى وأمثالهم وأتباعهم [2] .
ويعجب الباحث أيما عجب حين يجد علماء وأساتذة ومؤرخين عرباً مسلمين يعتمدون اعتماداً كلياً على الكتيّب - بل المقال - الضحل السقيم الذي كتبه فان فلوتن [1] ويُكتب "فلهوزن" [2] ستأتي النقول عنهم في المبحث الثاني.