الله، وأبو عبيد، والبخاري، والدارمي، وابن خزيمة، وابن أبى حاتم، وسائر من ألف فى الفرق أو الصفات أو الإيمان؛ كالبيهقى، والأشعري، والبغدادي، واللالكائي، وكذا المؤرخون وأصحاب التراجم.
وهذا ما سنورد بعضه مقتصرين على ما يهمنا هنا؛ وهو مذهبه في الإيمان.
والأصل الذي ينبغى معرفته في هذا، هو أن الجهم لم يبتدع مذهبه في الإيمان اعتمادا على شبهة نقلية أو أثارة من علم، وإنما كان رجلا لسنا مجادلا، مجبولا على المحادة والاعتراض والمراء، ومع ذلك لم يقدر له أن يجلس إلى عالم أو يتفقه على إمام، بل شهد عليه بعض من عاصره بجهل بالغ في معرفة الأحكام الشرعية - حتى الجلي منها - وقالوا: إنه لم يحج البيت، ولم يجالس العلماء قط [1] .
وإنما جالس جهم أصحاب الأهواء [2] وبعض الملاحدة، من المنتسبين إلى فلسفات الأمم الجاهلية الموتورة، ولما أراد الله فتنته اتصل بطائفة من الزنادقة الهنود، يقال لهم: " السمنية "، وأولئك قوم لهم فلسفة خاصة ومدرسة فكرية مؤصلة، قد أعدوا لكل عقيدة لدى غيرهم شبهة، وأعدوا لكل سؤال جوابه، ولكل مأزق مخرجا.
وتجشم جهم وتكلف أن يجادلهم ويخوض معهم، وهو صفر من العلم خلو من الحجة فما رآه بعقله المجرد ورأيه القاصر، وكان مجرد خوضه معهم نذيرا بالشر وشؤم العاقبة.
فقد ابتدءوا معه الجدال بالحديث عن مصدر المعرفة الصحيح المتيقن (وهى أكبر قضية فلسفية على الإطلاق، وأصل كل بحث ونظر) وكانت فلسفتهم تقوم على أن المصدر للمعرفة الحواس الخمس، ولما نازلهم جهم وهو جاهل بدينه خال من مصدر اليقين الأصلى - وهو الوحي - حصروه وأفحموه بسؤال هو: صف لنا ربك هذا الذى تعبده يا جهم، وبأي حاسة أدركته من الحواس، أرأيته أم لمسته - أم ... الخ؟! [1] انظر: خلق أفعال العباد للبخارى، ص32، تحقيق د. عبد الرحمن عميرة والفتح (13/345) . [2] وعلى رأسهم شيخه الجعد بن درهم، الذى قتله الوالى الأموى خالد بن عبد الله القسرى، بسبب إنكاره الصفات.