والكرامية - خاصة - بقوا على الأصل نفسه أنه شئ واحد، لكن جعلوه الإقرار والنطق فقط.
وبهذا الإيجاز والإجمال يتبين لنا أنه يمكن هدم مذاهب المخالفين في الإيمان جميعها بهدم هذا الأصل الفاسد الذي هو رأي مجرد عن النصوص، كما يمكن وضع ضابط لمعرفة مذاهب الناس في الإيمان - ولا سيما المرجئة - بحسب محل الإيمان من الأعضاء.
ثانيا: هدم هذا الأصل شرعا
من أسهل الأمور وأجلاها بيان فساد هذا الأصل، ولهذا سنكتفي بإيراد هذه الأدلة المجملة [1] :
1 - انعقاد الإجماع على ذلك من الصحابة والتابعين وتابعيهم - كما سبق - وهو إجماع مستند إلى النصوص الصريحة من الكتاب والسنة في زيادة الإيمان ونقصه، واجتماع النفاق والإيمان في القلب الواحد واجتماع الشرك والإيمان في عمل الرجل الواحد [2] .
2 - تفاضل المؤمنين في الأعمال الظاهرة تفاضلا لا ينكره إلا مكابر، فمنهم القانت الأواب، والمجاهد الدائب، ومنهم المقتصد، ومنهم الظالم لنفسه المنهمك في فسقه.
3 - تفاوت المؤمنين في الأعمال الباطنة، كالحب والخوف والرجاء والذكر والتفكر في آلاء الله وآياته والخشوع
واليقين ... ونحو ذلك مما لا يجحده إلا معاند عامد.
4 - تفاوت الناس في العلم بما يؤمن به - حتى لو سلم جدلا أنه التصديق - فمنهم من يعلم من صفات الله وآياته وأسباب سخطه ومرضاته الشىء الكثير، ويؤمن بذلك ويعتقده مفصلا، ومنهم من لا يعلم منه إلا النزر اليسير المجمل، فلا مراء في أن الأول مصدق بأضعاف ما الآخر مصدق به، فالمعرفة والعلم واليقين كل منها درجات متفاوتة، والإنسان الواحد نفسه يكون إيمانه بشىء أقوى من إيمانه بشىء آخر، ويكون إيمانه بالشىء اليوم أقوى منه غدا أو العكس. [1] أما هدمه من جهة هدم أساسه الذى بنى عليه أثناء تطور الظاهرة وهو المنطق، حيث أثبتوا ما أسموه الماهية فقد عقدنا له فصلا خاصا يأتى عما قليل [2] والمقصود هو النفاق الأصغر والشرك الأصغر.