أما الفرقة الثالثة فكل ما عملته هو تحوير أو تعديل في كلام جهم، فوضعت التصديق بدلا من المعرفة، وصرحت بنفي أعمال القلب الأخرى مثلما صرح جهم وجعلت الأعمال المكفرة مجرد علامة على الكفر الباطن، وجعلت كل من حكم الشرع بكفره فاقدا للتصديق القلبي، ونحو ذلك من الآراء واللوازم التي لم يخالفوا جهما فى شئ منها، إلا إذا صح أن جهما التزم القول بأن من أعلن التثليث فى دار الإسلام وحمل الصليب بلا تقية أنه يكون مؤمنا إذا كان يعرف الله [1] . على أن ابن حزم نسب هذا الالتزام للأشعرى معه، ولا يصح هذا عن الأشعري.
لكن الأشعرية يقولون إنه يمكن أن يكون مؤمنا في الباطن، ولكن إعلانه التثليث وحمله الصليب دليل على كفره، وعلامة عليه، فهو كافر " ظاهرا " مع كونه مؤمنا " باطنا " إذا كان مصدقا!!
وعلى أية حال فإن الفرق بين التصديق المجرد من أعمال القلب وبين المعرفة مما يتعذر على العقول إدراكه، كما نص شيخ الإسلام على أن الانقراض قد شمل أيضا آراء بعض قدماء المذهب الأشعري؛ فمؤسسه ابن كلاب كان على عقيدة المرجئة الفقهاء [2] ، وأما أبو عبد الله بن مجاهد تلميذ الأشعري وشيخ الباقلاني، وأبو العباس القلانسي، ونحوهم؛ فكانوا على عقيدة السلف في الإيمان - كما نقله عنهم أبو القاسم الأنصارى شيخ الشهرستاني في شرح كتاب الإرشاد للجويني [3] .. وكل هؤلاء لم يبق لهم في مذهب الأشعرية أثر.
3 - المرجئة الفقهاء:
بعد أن استقرت الأمة على التمذهب بالمذاهب الأربعة المشهورة، استقر مذهب المرجئة الفقهاء ضمن مذهب أبي حنيفة رحمه الله، ولهذا أصبح يسمى مذهب الحنفية. [1] انظر: الفصل (3/47) ، وأما أبوعبيد فلم يقل إنه مذهب جهم، بل قال إنه لازم له، الإيمان ص80. وانظر: الإيمان لابن تيمية ص1410- 152، ففيه تفصيل لموافقة الأشعرية للجهمية ورد عليهم فى تلك الآراء واللوازم وكذا ص115،184، ومواضع كثيرة، ودرء التعارض: (2/274) . [2] انظر: المصدر السابق ص114، وإتحاف السادة المتقين يشرح الإحياء للزبيدى (2/243) [3] انظر: المصدر السابق ص138،114.