واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى، ملازمة الأولى " (1)
فقوله: " والإيمان واحد " شاهد لما قلنا من أن أصل الشبهة ومنطلقها هو هذا.
وقوله: "في أصله سواء والتفاضل بينهم بالخشية والتقى" إلخ، مخالف لذلك، فاضطربت عبارته؛ لأن قوله: "وأهله في أصله سواء" يدل عل أن للإيمان أصلاً وفرعاً أو فروعاً - هو أعمال الجوارح وأعمال القلب -.
فيقال: إن كان الفرع داخلاً في مسمى الأصل كما هو الشرع واللغة والعرف لم يعد الإيمان واحداً، بل متفاوتاً متفاضلاً - كإثباته التفاضل في الخشية والتقى -.
وإن كان غير داخل في مسماه فقوله: "وأهله في أصله سواء" غير دقيق فينبغي أن يقول "وأهله فيه سواء".
والذي دفعه رحمه الله إلى الوقوع في هذا هو محاولة الجمع بين مذهبي السلف وأبي حنيفة، لأن الرجل حنفي سلفي، وكذا شارح عقيدته، فإنه حاول ذلك أيضاً وأراده، ولهذا قال في شرح العبارة " ولهذا - والله أعلم - قال الشيخ رحمه الله: وأهله في أصله سواء يشير إلى أن التساوي إنما هو في أصله، ولا يلزم منه التساوي من كل وجه " [2] .
فيقال له: ما هذا الأصل من التصديق الذي يكون أهل الإيمان كلهم مشتركين فيه ويكون ما فوقه زيادة عليه؟ ومن الذي وضعه؟ وهذا في الحقيقة يقودنا إلى قضية فلسفية منطقية هي إثبات الماهية المشتركة خارج الذهن [3] . وهو ما لا يقره رحمه الله.
وهاهنا قضية مهمة، وهي أن بعض الناس يثبتون أن الخلاف بين مذهب السلف ومذهب أبي حنيفة لفظي بإطلاق، مستدلين بظواهر بعض كلام شيخ الإسلام وبمثل صنيع الطحاوي والشارح، والأخير نص على أن الخلاف صوري، ونحن وإن كان غرضنا هنا ليس التفصيل وإنما هو إثبات الظاهرة، فإننا نبين وجه الحق في ذلك وعلاقته بتطور الظاهرة قائمة أيضاً؛ لأن بعض الناس قد يحسب أن الماتريدية - وهي
(1) الفقرات من 62- 64 من متن العقيدة: ص307 من الشرح. [2] شرح العقيدة الطحاوية، ص310. [3] وهو المعقود له فصلاً خاصاً بعنوان الأثر المنطقي وسيأتي ص445.