تلقاها المؤمنون الأولون - وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - قبل نزول الفرائض، وهو ما أفاض القرآن المكي في الحديث عنه تثبيتاً وتسلية وتوجيهاً وتذكيراً.
إن شهادة أن لا أله إلا الله لم تكن مجرد كلمة تقال باللسان، ولا يمكن أن تكون كذلك في أي مرحلة من مراحل الدعوة، فضلاً عن مرحلة التأسيس التي هي من أشق المراحل وأهمها. وإلا فما معنى تلك المعاناة القاسية وما موجبها؟
وإنما كانت هذه الشهادة نقلة بعيدة ومعلماً فاصلاً بين حياتين لا رابطة بينهما: حياة الكفر وحياة الإيمان، وما يستلزمه ذلك من فرائض وتعبدات، ومشقات أكبر وأعظم من فريضة الصلاة والزكاة ونحوها.
1 - من ذلك: فريضة التلقي الكامل عن الله ورسوله، ونبذ موازين الجاهلية وقيمها وأخلاقها وأعرافها وتشريعاتها.
2 - ومن ذلك: الولاء المطلق لله ورسوله، والعداء الصارم للكفار ولو كانوا آباءً وإخواناً وأزواجاً وعشيرة.
3 - ومن ذلك: فريضة الصبر على الأذى في الله، الذي لا تطيقه إلا نفوس سمت إلى قمة تحمل الفرائض والواجبات، حتى إن الواحد ليكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار.
وهذا ونحوه ما كان يعانيه بلال وهو يُسحب في رمضاء مكة وتلقى عليه الأثقال. وما يكابده سعد وهو يرى أمه تتلوى جوعاً، فيقسم لها لو أن لها مائة نفس فتظل تخرج نفسًا نفسًا حتى تهلك لما رجع عن دينه. وما كان آل ياسر يلقونه وهم يتعرضون لأعظم بلاء تشهده أسرة مضطهدة. وهو ما واجه أبو ذر حين صاح أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. وغير ذلك كثير وكثير مما كان قبل أن تنزل الفرائض [1] ! [1] هذا مع العلم أن أصول الفرائض نفسها كانت مطلوبة؛ فقيام الليل كان فرضاً، وإنفاق شيء من المال كان فرضاً، وهذا قبل أن تفرض الصلاة والزكاة المعروفتان، وكذا أصل اجتناب المحرمات، وأصل الأمر بالمعروف وغيرها.
وغرضنا ليس ترجيح هذا الوجه من وجوه الرد على المرجئة، وإنما هو بيان خطأ المرجئة أو غيرهم في فهم كلام من رجحه أو قال به من السلف.