وعلمي في غاية الوضوح؛ وهو أن هذه الحالة الرابعة لا وجود لها في مواقع الجيل الأول، ولا في تصوره، وكذا لا وجود لها في الواقع النفسي المحسوس، - كما لا يمكن أن تتفق مع حقيقة الإيمان الشرعية التي تشهد النصوص بأنها مركبة من القول والعمل معاً، كما لا تتفق مع النصوص الأخرى الكثيرة في حكم التولي عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وترك الامتثال لأوامره، والتخاذل عن القيام بفرائضه.
وهو كذلك مناقض لما ورد عن السلف الأخيار، والأئمة الأعلام في هذا الأمر.
ومع تقدم إيضاح بعض الاستدلالات نزيد هنا بإيضاح البعض الآخر - مع التذكير بما سبق، فنقول:
أولا: ترك العمل في ضوء واقع الجيل الأول، وحقيقة النفس الإنسانية:
إنه مع غض النظر مطلقا عن جدل الفرق في النصوص، وتعارضها - في نظرهم - وخلافات الفقهاء المتأخرين في فهمها، يظل المعيار الحقيقي للحكم على أي حالة هو معيار الصدر الأول، وواقع السلف الصالح قبل اختلاف الأمة، بل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا المعيار - على وضوحه - هو أيسر المعايير وأصدقها، والفطرة الإيمانية تعرفه أكثر مما يعرف الذهن الجدل الكلامي والخلافات المتشعبة.
وذلك أن ينظر المؤمن إلى الحالة المراد معرفة حكمها، متصوراً أنها وقعت في الصدر الأول، ويفكر ويتدبر ماذا يمكن أن يحكم به عليها ذلك الجيل القدوة، أو ماذا يمكن أن يكون وضعها لو وجدت فيه وعاشت معه؟
وسيجد الجواب بإذن الله أيسر وأقرب مما يجده في عويص الخلافات ودقائق الترجيحات التي لا يستطيع أن يخوض غمارها كل أحد.
فما حكم ترك العمل في ضوء ذلك؟
أي ما حكم رجل عاش في ذلك الجيل الحي العامل المجاهد منتسبا إليه بالاسم، مقراً بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم باللسان ولكنه مع ذلك لا يؤدي فريضة من فرائض الله، ولا يجتنب معصية من معاصيه، ولا يحكم بما أنزل الله، ولا يتبع ما أنزل الله يأتي ويدع من أعمال، فلا يصلى، ولا يصوم، ولا يزكي، ولا يحج، ولا يوالي