المؤمنين ولا يجاهد معهم، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يشارك بأي مشاركة إيمانية في ذلك المجتمع الأول، إلا أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وآيات صدق نبوته الباهرة، فأقر في قلبه، وزاد على ذلك بالتلفظ بالشهادتين بلسانه؟ (1)
الحق أنه لا يصح أن يسأل عن موقع هذا الرجل في صفوف المؤمنين، بل الصحيح أن يسأل أيمكن أن يوجد في صفوف المنافقين؟!
فالمنافقون - كما أشرنا - سلفاً، وكما هو صريح القرآن - كانوا يجاهدون وينفقون ويصلون، ويشهدون مواقف الرعب والهول التي تكتنف الجماعة المسلمة الناشئة، فهل عاش أو يتصور أن يعيش بينهم هذا الذي لا صلاة له، ولا جهاد، ولا نفقة، ولا مشاركة للمؤمنين في عمل قط، ولو في الظاهر؟
بل نقول: أنه وجدت حالة أفضل من حالة هذا الرجل بكثير: وهي حكاية رجل دافع عن الدعوة وحمى صاحبها صلى الله عليه وسلم، وشاركه في مواقف الصبر والاضطهاد، معترفا في قرارة نفسه بصدق نبوته وصحة ما جاء به في شعره، ومع ذلك مات كافرا، وهو من أهل النار بنص الخبر الصحيح.. أعني أبا طالب عمه صلى الله عليه وسلم.
فإن قالت المرجئة: إنما كفر أبو طالب لامتناعه عن قول الشهادة عند الموت، وقوله: هو على ملة عبد المطلب.
قلنا: ما تزال الحجة قائمة عليكم، وذلك أنه لو كان مؤمناً من قبل، ناجيا عند الله في الآخرة - كما يقولون في حكم من لم ينطق الشهادة - لما احتاج النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليه ذلك قائلا: " يا عم، قل: لا إله إلا الله. كلمة أشهد لك بها عند الله " [2] .
فلما عرض عليه ذلك وألح عليه علمنا أنه لم يكن قبل ذلك مؤمناً ولا موعوداً بالنجاة قط، ولو كان كذلك لكان امتناعه عن الشهادة معصية فقط - كما قد صرح بعضكم [3] في حق الممتنع عنها!!
فإذا كان هذا حاله، فكيف من لم يعمل شيئاً قط إلا التصديق القلبي بصدق الرسول، أو أضاف إلي ذلك كلمة الشهادة مجردة من أعمال القلب والجوارح؟!
(1) انظر كلام شيخ الإسلام في هذا (7 / 287) ، وسنذكر إن شاء الله في أخر الكلام عن الاستحلال وترك الإقرار. [2] انظر صحيح مسلم،كتاب الإيمان رقم (39 - 42) . [3] ومنهم أبو حامد الغزالى في الأحياء وشارحه الزبيدي الماتريدي، انظر: إتحاف السادة المتقين (5 / 255) .