من زوال بعض أجزائها زوال الاسم، ونحن وأنتم متفقون على إثبات اسم الإيمان لصاحب الكبيرة، فلا يكون العمل من الإيمان إذن ولا وجود للحقيقة المركبة، بل الإيمان هو القدر المشترك، أي التصديق القلبي فقط.
والجواب عن ذلك:
أن قولنا: إن الإيمان حقيقة مركبة من القول والعمل الظاهر والباطن يتفق - ولله الحمد - مع النصوص، ومع الأمثلة العقلية كذلك في حكم العاصي وسائر الأحكام، وهذه الشبهة نقلبها عليكم، فنقول للمعتزلة والخوارج: أنتم جعلتم مرتكب الكبيرة خارجا عن اسم الإيمان مطلقا، فعلى مثالكم يكون من أنقص من العشرة واحدا مثل من لم يأت بشيء منها مطلقا فجعلتم التسعة والصفر سواء، وهذا ما تأباه البدائه والعقول.
ونحن نقول: إن الإيمان أبعاض فمن أتى بتسعة أو ثمانية أو أقل فهو ناقص الإيمان ولا نزيل عنه اسم الإيمان مطلقا بسبب ذلك، ولكننا نزيل عنه - كما ورد في النصوص - اسم الإيمان المطلق أي غير المقيد بقيد، فنقول: هو مؤمن ناقص الإيمان كما نقول في هذا المثال: هو لديه عشرة إلا واحدا، وهذا الاستثناء صحيح لغة وشرعا، قال الله تعالى (ألف سنة إلا خمسين عاما") (العنكبوت: 14) أي تسعمائة وخمسون.
ونقول للمرجئة: أنتم قد جعلتم من جاء بواحد كمن جاء بالعشرة، حيث قلتم: إن العاصي كامل الإيمان، على أن التشبيه بالعشرة ليس من كل وجه إذ يفرقه أمران:
أ- أن الرقم عشرة مجردا تتساوى فيه أفراد العشرة، أما الإيمان فالأول من أفراده وهو شهادة أن لا إله إلا الله، يختلف جدا عن الأخير منها وهو إماطة الأذى عن الطريق، فبزوال الأول يزول اسم الإيمان ولا يزول بالأخير، فتبين أن المثال تقريبي فقط.
ب- أن المركبات تختلف، فمنها ما يكون التركيب شرطا في إطلاق الاسم كالملح وكالإيمان بالنسبة لتركبه من القول والعمل معا، ومنها ما لا يكون شرطا وهو أكثر المركبات والهيئات المجتمعة سواء الشرعي منها واللغوي، فالأول كالطاعة والعبادة والخير والصدقة والإحسان والقرآن والحديث ونحو ذلك، فإن