هذه الأسماء تطلق على القليل، وعند وجود البعض وزوال البعض، فالقرآن كله قرآن والسورة منه قرآن، وكذلك مجموع الطاعات إيمان وكل طاعة منه إيمان، ولا يلزم من انتفاء بعض الأجزاء زوال الاسم.
واللغوي: مثل البحر والكلام والتراب والجبل والقرية ونحو هذا، فإن الاسم يطلق على البحر كله وعلى الطرف منه والجزء من مائه، ولا يلزم من ذهاب بعضه ألا يطلق الاسم على الباقي.
فالإيمان بالنسبة لتركبه من مجموع الطاعات هو كهذا والمثال الأوضح - كما سبق - هو مثال الشجرة:
فعلى مذهب المعتزلة والخوارج يكون قطع غصن من الشجرة إزالة لها ولاسمها بالكلية، وهذا واضح البطلان بالعقل والبديهة.
وعلى مذهب المرجئة يكون استئصال الجزء الظاهر من الشجرة كله حتى لا يرى منه شئ لا يذهب اسم الشجرة وحقيقتها، لاحتمال أن يكون الجذر موجودا، والاسم عندهم إنما يطلق على الجذر وحده - أعني قولهم: إن اسم الإيمان إنما يطلق على التصديق القلبي وحده.
وأما أهل السنة والجماعة فهداهم الله للحق في المنقول والمعقول معا، فإن الشجرة يبقى اسمها شجرة لكن يختلف الإطلاق، فالشجرة يعتريها النقص والقطع، فإذا أريد الشجرة الكاملة الممدوحة - قيل: هذه ليست كذلك بل هي ناقصة مع عدم زوال اسم الشجرة عنها، وإن أريد مطلق شجرة فهي شجرة فعلا، ونعني بذلك أن الإيمان المطلق لا يقال للعاصي - وأما مطلق الإيمان - فيقال له ولا ينفى عنه [1] .
وقول المرجئة: إن من أتى بالمكفرات الظاهرة يمكن أن يكون مؤمنا في الباطن، هو كما لو رأى إنسان صخرة ثابتة في الأرض فقيل له: يمكن ان يكون أصلها الذي في الأرض جذر شجرة، وهذا ما لا يصدقه عاقل قط!!
وبهذا يظهر فساد شبهة المرجئة وأنهم يعارضون النقل الصحيح والعقل الصريح بما لا حجة فيه، حتى إن إمام الأشعرية في عصره وأحد كبارهم بإطلاق "الفخر الرازي" صعب عليه التوفيق بين ما نقله واعتقده إمامه الشافعي من إجماع السلف على أن الإيمان قول وعمل، وبين شبهتهم هذه عن الحقيقة المركبة، فقال وهو [1] انظر عن الحقيقة المركبة مجموع الفتاوى (7/ 511- 520) وأكثر.