يتحدث في مناقب الإمام الشافعي " قد نقلنا عن الشافعي رضى الله أن الإيمان قول واعتقاد وعمل، وقال المتكلمون: الإيمان ليس إلا التصديق بالقلب واحتجوا عليه بوجوه".
وذكر كلامهم المعروف بالاستدلال باللغة وشبهة العطف ثم قال: "واعلم أن قول الشافعي رضى الله عنه لا يمكن جعله من المعايب، فإن الذي ذهب إليه مذهب قوى في الاستدلال والاحتجاج، إلا أن الذي اختاره علماء الأصول من أصحابنا هو هذا القول الثاني.
واعلم أن القوم قد يقررون العيب من وجه آخر فيقولون: قد تقرر في بداية العقول أن مسمى الشيء إذا كان مجموع أشياء فعند فوات تلك الأشياء لابد أن يفوت المسمى، فلو كان العمل جزء مسمى الإيمان لكان عند فوات العمل وجب ألا يبقى الإيمان، لكن الشافعي رضى الله عنه يقول: العمل داخل في مسمى الإيمان، ثم يقول: الإيمان باق مع فوات العمل، فكان هذا مناقضة.. "
إلى أن يقول: " وللشافعي أن يجيب فيقول: أصلا الإيمان هو الإقرار والاعتقاد، فأما الأعمال فإنها من ثمرات الإيمان وتوابعه، وتوابع الشيء قد يطلق عليها اسم الأصل على سبيل المجاز، وإن كان يبقى الاسم مع فوات تلك التوابع، كما أن أغصان الشجرة قد يقال: إنها من الشجرة، مع أن اسم الشجرة باق بعد فناء الأغصان فكذلك هاهنا.
واعلم أن على هذا التقدير يكون اسم الإيمان حقيقة في الإقرار والاعتقاد، ويكون إطلاق اسم الإيمان على الأعمال ليس إلا على سبيل المجاز ولكن فيه ترك لذلك المذهب " [1] .
فانظر كيف استشكل القضية، ثم أورد الشبهة، ثم أجاب بما يراه الصواب، ثم أقر بأن الجواب يلزم منه ترك مذهب إمامه الذي هو مذهب السلف قاطبة، ولو أنه تأمل مثاله الذي ذكره "الشجرة"، لذهب عنه الاضطراب.
(1) "مناقب الشافعى" الفخر الرازى، ص52 طبعة 1279 هـ. وأشار إليها فى مجموع الفتاوى (7/511) لأن الخطيب المذكور فيها هو الرازى، كان أبوه خطيب الرى، وكان يقال له: ابن الخطيب، وأشار إليها فى الإيمان، ص386: كما أن الرازى ذكرها فى أصول الدين، ص127.