إذا تبين هذا بقى أن نعلم أن المرجئة - ومن اتبعهم وهو لا يشعر - لما أن حكموا بإيمان تارك العمل ونفوا وقوع الكفر بالعمل الظاهر مطلقا لم يبق لهم غالبا من جواب أو حيلة يدفعون بها احتجاج أهل السنة عليهم بالنصوص الواردة فى تكفير من ترك العمل أو عمل الكفر إلا القول بأن هذه فى المستحل أو الجاحد للوجوب.
فجعلوا جنس ترك العمل وارتكاب المكفرات من جنس ترك سائر الفرائض وارتكاب سائر المحرمات وجعلوا الفاعل داخلا تحت المشيئة موعودا بالشفاعة، واستدلوا بما ورد من النصوص عاما مطلقا مثل: "من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة" وحديث الشفاعة (الجهنميين) الآتي بيانه، وضموا إلى ذلك الاستدلال بقول أهل السنة: "ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله" على إطلاقها فاستنتجوا من ذلك كله أن من كفر أحدا - بترك ما تركه كفر أو فعل ما فعله كفر وهو غير مستحل لذلك - خرج عن قاعدة أهل السنة هذه ووقع فى مذهب الخوارج أو بعضه!!
وهذا خطأ بين لا يخفى على من اطلع على ما سبق ونزيد هنا فيما يتعلق بهذه العبارة فنقول:
1- الاستحلال عند أهل السنة والجماعة إنما متعلقة الذنوب التي دون الشرك أو الكفر كما سبق، ولذلك يذكرون هذه العبارة فى باب الرد على الخوارج والمعتزلة الذين يكفرون بالكبائر العملية التي هى من جنس المعاصى كالزنا وشرب الخمر كما هو معلوم - ولو كان جنس ارتكاب المكفر من جنس فعل المعصية وكان لابد لكل من ورد فيه إنه كافر أن يقيد بالمستحيل أو الجاحد مطلقا كما يقولون لجاز أن نقول: "الزانى كافر" و"شارب الخمر كافر" بإطلاق، فإذا اعترضوا علينا قلنا إنما نعنى به المستحل أو الجاحد، كما تقولون تارك الصلاة كافر، والحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتعنون المستحل أو الجاحد.
والحق أن الإطلاق فى الكل باطل كما وأن التقييد فى الكل باطل، وأن الحق فى اتباع النصوص كما فى الفقرة (4) الآتية:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"ونحن إذا قلنا أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنوب فإنما نريد به المعاصي كالزنا والشرب وأما هذه المباني