ومن ثم يفقدون خاصتهم الآدمية ويندرجون في عالم البهيمة: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ» [محمد:12] .
ولا يخسر الإنسان شيئاً كأن يخسر آدميته ويندرج في عالم البهيمة، وهذا هو الذي يقع حتماً بمجرد التملص من الدينونة لله وحده، والوقوع في الدينونة للهوى والشهوة.
ثم هم يقعون فرائس لألوان من العبودية (يقعون في عبودية الأحبار والرهبان والجن والكهان والدجاجلة والمشعوذين) يقعون في شر ألوان العبودية للحكام والرؤساء الذين يصرفونهم وفق شرائع من عند أنفسهم، لا ضابط لها ولا هدف إلا حماية مصالح المشرعين أنفسهم، سواء تمثل هؤلاء المشرعون في فرد حاكم أو في طبقة حاكمة أو في جنس حاكم. فالنظرة على المستوى الإنساني الشامل تكشف عن هذه الظاهرة في كل حكم بشري لا يستمد من الله وحده ولا يتقيد بشريعة الله لا يتعداها ... ولكن العبودية للعبيد لا تقف عند حدود العبودية للحكام والرؤساء والمشرعين.
فهذه هي الصورة الصارخة، ولكنها هي ليست كل شيء، إن العبودية للعباد تتمثل في صورة أخرى خفية، ولكنها قد تكون أقوى وأعمق وأقسى من هذه الصورة (ألا وهي عبودية الأعراف والأوضاع والتقاليد) ، ونضرب مثلاُ لهذا: تلك العبودية لصانعي الموضات والأزياء مثلاً! أي سلطان لهؤلاء على قطيع كبير جداً من البشر؟ كل الذين يسمونهم متحضرين.
إن الزي المفروض من آلهة الأزياء في الملابس أو التصاميم أو الموديلات أو العربات أو المباني أو المناظر أو الحفلات؛ أزياء الصباح، أزياء بعد الظهر، أزياء المساء، الأزياء القصيرة، الأزياء الضيقة، أزياء السهرة، الأزياء المضحكة، أزياء المراسم.. إلخ ليمثل عبودية صارمة لا سبيل لجاهلي أو لجاهلية أن يفلت منها، أو يفكر في الخروج عنها. لو دان الناس في هذه الجاهلية الحضارية لله بعض ما يدينون لصانعي الأزياء لكانوا عباداً متبتلين. فماذا تكون العبودية إن لم تكن هي هذه؟! وماذا تكون الحاكمية والربوبية إن لم تكن هي حاكمية وربوبية صانعي الأزياء أيضاً؟!