العالمين، لكن لأن حياة البشر لا تصلح ولا تستقيم ولا ترتفع ولا تصبح حياة لائقة بالإنسان إلا بهذا التوحيد الذي لا حد لتأثيره في الحياة البشرية في كل جوانبها على السواء..
إن هذه الحقيقة ليست أهميتها فقط في تصحيح التصور الإيماني، وإن كان هذا التصحيح في ذاته غاية ضخمة يقوم عليها بناء الحياة كله، بل إن أهميتها كذلك في حسن تذوق الحياة، وبلوغ هذا التذوق أعلى درجات الكمال والتناسق، فقيمة الحياة الإنسانية ذاتها ترتفع حين تصبح كلها عبادة لله، وحين يصبح كل نشاط فيها - صغر أم كبر - جزءاً من هذه العبادة أو كل العبادة متى نظرنا إلى المعنى الكبير الكامن فيه - وهو إفراد الله سبحانه بالألوهية والإقرار الكامل له وحده بالعبودية ... هذا المقام الذي لا يرتفع الإنسان إلى ما هو أعلى منه، ولا يبلغ كماله الإنساني إلا في تحقيقه، وهو المقام الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى مقاماته التي ارتقى إليها، مقام تلقي الوحي من الله ومقام الإسراء أيضاً:
«تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا» [الفرقان:1] .
«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» [الإسراء:1] .
وننتقل إلى قيمة أخرى من قيم توحيد العبادة بمعنى الدينونة لله وحده وآثارها في الحياة الإنسانية، إن الدينونة لله تُحَرِّرُ البشر من الدينونة لغيره، وتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. وبذلك تحقق للإنسان كرامته الحقيقية، هذه الحرية وتلك، اللتان يستحيل ضمانهما في ظل أي نظام آخر غير النظام الإسلامي يدين فيه الناس بعضهم لبعض بالعبودية في صورة من صورها الكثيرة.. سواء عبودية الاعتقاد، أو عبودية الشعائر، أو عبودية الشرائع.. فكلها عبودية، وبعضها مثل بعض تخضع الرقاب لغير الله بإخضاعها للتلقي في أي شأن من شؤون الحياة لغير الله. والناس لا يملكون أن يعيشوا غير مدينين، لا بد للناس من دينونة.
والذين لا يدينون لله وحده يقعون من فورهم في ألوان العبودية لغير الله في كل جانب من جوانب الحياة.. إنهم يقعون فرائس لأهوائهم وشهواتهم بلا حد ولا ضابط،