[1]- حقيقة الحركة الدائمة للنفس الإنسانية.
2- حقيقة شمول العبودية لكل خاطرة وهم وعزم وهمس وفعل من تلك الحركة.
يقول ابن القيم: "مبدأ كل علم نظري، وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار؛ فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكراره تعطي العادة". "واعلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر، فيأخذها الفكر فيؤديها إلى التذكر، فيأخذها التذكر فيؤديها إلى الإرادة؛ فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل، فتستحكم فتصير عادة. فردها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها.
ومعلوم أنه لم يعط الإنسان إماتة الخواطر ولا القوة على قطعها فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها ورضاه به ومساكنته له. وعلى رفع أقبحها وكراهته له ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة [1] أحب إليه من أن يتكلم به؟ فقال: " أو قد وجدتموه؟ " قالوا: نعم. قال: " ذاك صريح الإيمان ".
وفي لفظ: " الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة " [2] .
"وقد خلق الله النفس شبيهة بالرحى الدائرة التي لا تسكن ولا بد لها من شيء تطحنه، فإن وضع فيها حب طحنته، وإن وضع فيها تراب أو حصى طحنته؛ فالأفكار والخواطر التي تجول في النفس هي بمنزلة الحب الذي يوضع في الرحى، ولا تبقى تلك الرحى معطلة قط بل لابد لها من شيء يوضع فيها، فمن الناس من تطحن رحاه حبا يخرج دقيقا ينفع به نفسه وغيره. وأكثرهم يطحن رملا وحصى وتبناً ونحو ذلك، فإذا جاء وقت العجن والخبز تبين له حقيقة طحينته".
واعتمادا على ما تقرر يصف ابن القيم ما ينبغي للمؤمن إزاء هذا فيقول: " فإذا دفعت الخاطر الوارد عليك اندفع عنك ما بعده، وإن قبلته صار فكراً جوالاً ... ". [1] فحمة [2] ثم استطرد في بيان معنى الحديث فقال:" وفيه قولان:
1- أحدهما أن رده وكراهته صريح الإيمان.
2- أن وجوده وإلقاء الشيطان له في النفس صريح الإيمان، فإنه إنما ألقاه في النفس طلبا لمعارضة الإيمان وإزالته به"والحديث رواه مسلم رقم (209)