أمة جهل، واليهود أخص بالغضب لأنهم أمة عناد، وهذه الأمة هم المنعم عليهم، ولهذا قال سفيان بن عيينه: من فسد من عبّادنا ففيه شبه من النصارى، ومن فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود" [1] .
ثم ذكر بعض الشواهد النقلية وقال: "وهذا المعنى في القرآن في مواضع كثيرة؛ يخبر سبحانه أن أهل السعادة هم الذين عرفوا الحق واتبعوه، وأن أهل الشقاوة هم الذين جهلوا الحق وضلوا عنه أو علموه وخالفوه واتبعوا غيره "
ويختم الموضوع قائلا: "وينبغي أن تعرف أن هاتين القوتين لا تتعطلان في القلب، بل إن استعمل قوته العلمية في معرفة الحق وإدراكه وإلا استعملها في معرفة ما يليق به ويناسبه من الباطل.
وإن استعمل قوته الإرادية العملية في العمل به وإلا استعملها في ضده، فالإنسان حارث همام بالطبع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أصدق الأسماء حارث وهمام ".
فالحارث: الكاسب العامل، والهمام: المريد، فإن النفس متحركة بالإرادة، وحركتها الإرادية لها من لوازم ذاتها، والإرادة تستلزم مرادا يكون متصورا لها متميزا عندها، فإن لم تتصور الحق وتطلبه وتريده تصورت الباطل وطلبته وأرادته ولا بد.... " [2] .
فإذا تبين لنا هذا الجانب عن النفس الإنسانية وأنها في حركة لاهثة مستمرة ما بقيت حية، فمن الضروري معرفة شيء من تفصيل حركتها وعلاقة ذلك بالمظهر الخارجي للحركة " العمل "، وبمصدر الطاقة المستمر " الملك أو الشيطان "، وبالدافع والغرض للحركة " تحصيل النافع الملائم ودفع الضار المنافر ".
وكل هذا جاء مفصلا في كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم - رحمهما الله - مستنبطا من نصوص الوحي.
ونظل مع ابن القيم في تقرير هذه الحقيقة - ولا نقول النظرية - ثم نعود لشيخه الذي عرضها مراراً من خلال التقرير الأهم، وهو تقرير شمول العبودية وضرورتها لكل حي، والربط بين هاتين الحقيقتين الكبريين: [1] إغاثة اللهفان (1/32) ، وانظر لإيضاح هاتين القوتين " العلمية والعملية ": الفوائد 16 - 17. طبعة زكريا علي يوسف. [2] المصدر السابق (1/33- 34) .