وجماع إصلاح ذلك أن تشغل فكرك في باب العلوم والتصورات بمعرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوقه، وفي الموت وما بعده إلى دخول الجنة والنار، وفي آفات الأعمال وطرق التحرز منها، وفي باب الإرادات والعزوم أن تشغل نفسك بإرادة ما ينفعك وإرادته وطرح ما يضرك إرادته " [1] .
وتبيانا لأهمية الإرادة والفكر وكونها مبدأ عمل القلب وعمل الجوارح، ننتقل إلى موضع آخر من كلامه توسع فيه في بيان حقيقة مهمة يمكن أن توجز في أن: " كل إنسان مفكر وكل مفكر عامل " - بيانا لتضاد الأفكار وتعاقبها بما يخرج الإنسان عن أن يكون تمثالا تحفر فيه الكلمة فتبقى ما بقي.
ثم يعود السياق فينتظم بقية كلامه هنا، يقول: " أصل الخير والشر من قبل التفكير، فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الرغبة [2] والترك والحب والبغض.
وأنفع الفكر: الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها.
فهذه أربعة أفكار هي أجل الأفكار. ويليها أربعة:
فكر في مصالح الدنيا وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدنيا وطرق الاحتراز منها.
فعلى هذه الأقسام الثمانية دارت أفكار العقلاء.
ورأس القسم الأول الفكر وآلاء الله ونعمته وأمره ونهيه، وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والاهما.
وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة، فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها وفي الدنيا وخستها وفنائها، أثمر ذلك الرغبة في الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت.
وهذه الأفكار تعلي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والناس في واد. [1] الفوائد، ص 173- 176، ط2 [2] في الأصل: "الزهد"، ولا يستقيم به المعنى، ولعله تصحيف.