وأما قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} هذه الآية أيضاً: فيها إخبار بأن "هذه الصفة من صفة الذين استجابوا لله والرسول والناس الأولى ـ في هذه الآية ـ هم قوم كان أبو سفيان سألهم أن يثبطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين خرجوا في طلبه بعد منصرفه عن أحد إلى حمراء الأسد، والناس الثانية هم أبو سفيان وأصحابه من قريش الذين كانوا معه بأحد وقوله: {قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} أي: قد جمعوا الرجال للقائكم، والكرة إليكم لحربكم {فَاخْشَوْهُمْ} فاحذروهم واتقوا لقاءهم فإنه لا طاقة لكم بهم {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} أي: فزادهم ذلك من تخويف من خوفهم أمر أبي سفيان وأصحابه من المشركين يقيناً إلى يقينهم، وتصديقاً لله ولوعده ووعد رسوله إلى تصديقهم ولم يثنهم ذلك عن وجههم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسير فيه ولكن ساروا حتى بلغوا رضوان الله منه، وقالوا ثقة بالله، وتوكلا عليه إذ خوفهم من خوفهم أبا سفيان وأصحابه من المشركين {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أي: كفانا الله وهو نعم المولى لمن وليه وكفله ... فلما كان القوم الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية قد كانوا فوضوا أمرهم إلى الله ووثقوا به وأسندوا ذلك إليه وصف نفسه بقيامه لهم بذلك وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة فقال: ونعم الوكيل الله تعالى لهم"1.
هذه صفة أهل الإيمان والتقوى من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث "توعدهم الناس بالجموع وخوفوهم بكثرة الأعداء فما اكترثوا لذلك بل توكلوا على الله واستعانوا به"2 فالآية تضمنت ثناء الله عليهم بقيلهم {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} وأن تخويف الناس لهم بكثرة عددهم وقوة عدتهم زادهم تصديقاً ويقيناً في دينهم وإقامة على نصرتهم لدين الإسلام معتمدين على الله عز وجل
1ـ جامع البيان 4/178-179، وانظر تفسير البغوي على الخازن 1/378.
2ـ تفسير القرآن العظيم 2/161.