ورسوله {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} يقول: أوفوا بما عاهدوه عليه من الصبر على البأساء والضراء وحين البأس {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} يقول: فمنهم من فرغ من العمل الذي كان أنذره لله وأوجبه له على نفسه، فاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أحد، وبعض في غير ذلك من المواطن {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} فضاءه والفراغ منه كما قضى من مضى منهم على الوفاء لله بعهده والنصر من الله والظفر على عدوه، والنحب: النذر في كلام العرب وللنحب أيضاً: في كلامهم وجوه غير ذلك منها الموت ... وقوله: {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغييراً كما غيره المعوقون القائلون لإخوانهم: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} والقائلون: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} أ. هـ1.
فالآية تضمنت الثناء والمدح على شهداء أحد بتحقيقهم الإيمان الكامل والثناء عليهم بالصدق والوفاء فما عرف منهم مغير وما وجد من جماعتهم مبدل رضي الله عنهم، وكل الآيات المتقدمة بين الله ـ تعالى فيها أن ما حصل يوم أحد كان ابتلاء ليتميز أهل النفاق من أهل الإيمان الصادق وبين ـ سبحانه ـ أن من لم ينهزم في موقعة أحد فقتل له الكرامة، وذلك أن الشهداء أحياء في الجنة يرزقون ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين. ذلك هو الثناء في القرآن على أهل أحد. أما الأحاديث التي وردت في السنة المطهرة فكثيرة وفيها بيان فضلهم رضي الله عنهم، وبيان منزلتهم منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص ومن ذلك ما يلي:
1. روى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله ـ عز وجل ـ أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم،
1ـ جامع البيان 21/145-147، تفسير القرآن العظيم 5/438، فتح القدير للشوكاني 4/271-272.