ورويا أيضاً: من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة1 فتوضأ فجهش2 الناس نحوه فقال: "ما لكم"؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور3 بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأ وتوضأنا قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة"4.
فهذه الروايات الثلاث هي أصح ما ورد في بيان عدد أصحاب بيعة الرضوان ولا إشكال فيها من حيث صحتها وإنما الإشكال من حيث العدد المذكورة فيها من ألف وثلاثمائة إلى ألف وأربعمائة إلى خمس عشرة مائة ولا يمكن ردها بحال من الأحوال وقد حاول العلماء الجمع بينها وقد سلكوا تجاهها طريقين.
الطريق الأول: طريق الترجيح، وقد مال إلى هذا الطريق الإمام البيهقي والحافظ ابن القيم رحمهما الله تعالى.
فأما البيهقي فإنه أورد رواية التحديد بألف وأربعمائة المروية عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ثم قال: وهذه الرواية أصح فلذلك قاله البراء بن عازب، ومعقل بن يسار، وسلمة بن الأكوع في أصح الروايتين عنه"أ. هـ5.
وأما العلامة ابن القيم فإنه ذكر رواية ألف وأربعمائة وقال عقبها: "والقلب إلى هذا أميل"6.
الطريق الثاني: طريق الجمع وقد ذهب إلى هذا الإمام النووي والحافظ ابن حجر رحمهما الله.
1ـ الركوة: إنا صغير يشرب فيه الماء والجمع ركاء. النهاية 2/261.
2ـ الجهش: أن يفزع الإنسان إلى الأنسان ويلجأ إليه. النهاية 1/322.
3ـ يثور: ينبع بقوة وشدة النهاية 1/228.
4ـ صحيح البخاري 3/42، صحيح مسلم 3/1484.
5ـ دلائل النبوة للبيهقي 4/98.
6ـ زاد المعاد في هدي خير العباد 3/288.