ومما يؤيد هذا أن أهل الحق والسنة في زمن الأئمة الأربعة وتوافر العلماء في ذلك الزمان وقبله وبعده لم يكونوا في محل واحد، بل هم في غالب الأمصار في الشام منهم الأئمة، وفي الحجاز وفي مصر، وفي العراق واليمن، وكلهم على الحق يناضلون، ويجاهدون أهل البدع، ولهم المصنفات التي صارت أعلاما لأهل السنة; وحجة على كل مبتدع.
فعلى هذا، فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تتفرق، وقد تكون في الشام، وقد تكون في غيره، فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام، وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها.
وكل جملة من هذا الحديث علم من أعلام النبوة؛ فإن كل ما أخبر به النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث وقع كما أخبر صلي الله عليه وسلم.
وقوله: "تبارك وتعالى" قال ابن القيم -رحمه الله-: البركة نوعان: أحدهما: بركة
هي فَعَلة والفعل منها بارك، ويتعدى بنفسه تارة وبأداة "على" تارة، وبأداة "في" تارة، والمفعول منها مبارك، وهو ما جعل منها كذلك، فكان مباركا بجعله تعالى.
والنوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها تبارك، ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له عز وجل فهو سبحانه المتبارك، وعبده ورسوله المبارك، كما قال المسيح -عليه السلام-: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [1] فمن يبارك الله فيه وعليه فهو المبارك. [1] سورة مريم آية: 31.