اسم الكاهن، وإما مشارك له في المعنى فيلحق به. وذلك أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف. ومنه ما هو من الشياطين، ويكون بالفأل والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة والسحر، ونحو هذا من علوم الجاهلية، ونعني بالجاهلية كل من ليس من أتباع الرسل -عليهم السلام-، كالفلاسفة والكهان والمنجمين، وجاهلية العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي صلي الله عليه وسلم؛ فإن هذه علوم لقوم ليس لهم علم بما جاءت به الرسل صلي الله عليه وسلم[1]، وكل هذه الأمور يسمى صاحبها كاهنا أو عرافا أو في معناهما، فمن أتاهم فصدقهم يما يقولون لحقه الوعيد. وقد ورث هذه العلوم عنهم أقوام فادعوا بها علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وادعوا أنهم أولياء وأن ذلك كرامة.
ولا ريب أن من ادعى الولاية، واستدل بإخباره ببعض المغيبات فهو من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن، إن الكرامة أمر يجريه الله على يد عبده المؤمن التقي، إما بدعاء أو أعمال صالحة لا صنع للولي فيها، ولا قدرة له عليها، بخلاف من يدعي أنه ولي ويقول للناس: اعلموا أني أعلم المغيبات; فإن هذه الأمور قد تحصل بما ذكرنا من الأسباب، وإن كانت أسبابا محرمة كاذبة في الغالب، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم في وصف الكهان: " فيكذبون معها مائة كذبة " [2]. فبين أنهم يصدقون مرة ويكذبون مائة، وهكذا حال من سلك سبيل الكهان ممن يدعي الولاية والعلم بما في ضمائر الناس، مع أن نفس دعواه دليل على كذبه؛ لأن في دعواه الولاية تزكية النفس المنهي عنها بقوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [3]. وليس هذا من شأن الأولياء؛ فإن شأنهم الإزراء على نفوسهم وعيبهم لها; وخوفهم من ربهم، فكيف يأتون الناس ويقولون: اعرفوا أننا أولياء، وأنا نعلم الغيب؟ وفي ضمن [1] ومعنى الجاهلية: الإعراض عن العلم المنزل من الله على رسله هدى ورحمة, والاعتماد على التقاليد والعادات والظنون والتخرصات, وما يوحي به الشياطين, ويحددها قول الله تعالى: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وقد عادت الجاهلية إلى الناس اليوم مثل الجاهلية الأولى وشرا منها, ولا يمنع وجود القرآن والحديث؛ لأنهم اتخذوهما مهجورين, فوجودهما حجة عليهم فقط, ولا يغرنك منهم عمائم ولحى وصور فما وراءها إلا جاهلية وعقلية عامية، قد تكون شرا من عقلية من يتبعون أذناب الإبل والبقر، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. [2] جزء من حديث عائشة. أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق (2210) : باب ذكر الملائكة. ومسلم: كتاب السلام (2228) (122) : باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. [3] سورة النجم آية: 32.