وهنا سؤال: وهو أنه قد ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الطائف حين كذبه أهل الطائف ومن في الطائف من أهل مكة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء المأثور: " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يك بك غضب عليّ فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي ". وفي آخره: " أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل عليّ غضبك، أو ينزل بيّ سخطك. لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله " [1][2]. والحديث المروي في الأذكار: " اللهم أنت أحق من ذُكر وأحق من عُبد " - [3] وفي آخره -: " أعوذ بنور وجهك
فيه مسائل:
الأولى: النهي عن أن يسأل بوجه الله إلا غاية المطالب.
الثانية: إثبات صفة الوجه.
الذي أشرقت له السماوات والأرض ". وفي حديث آخر: " أعوذ بوجه الله الكريم، وباسم الله العظيم، وبكلماته التامة من شر السامة واللامة، ومن شر ما خلقت، أي رب ومن شر هذا اليوم ومن شر ما بعده، ومن شر الدنيا والآخرة " [4]. وأمثال ذلك في الأحاديث المرفوعة بالأسانيد الصحيحة أو الحسان.
فالجواب: أن ما ورد من ذلك فهو في سؤال ما يقرب إلى الجنة أو ما يمنعه من الأعمال التي تمنعه من الجنة، فيكون قد سأل بوجه الله وبنور وجهه ما يقرب إلى الجنة كما في الحديث الصحيح: " اللهم إني أسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل " [5]. بخلاف ما يختص بالدنيا كسؤال المال والرزق والسعة في المعيشة رغبة في الدنيا، مع قطع النظر عن كونه أراد بذلك ما يعينه على عمل الآخرة. فلا ريب أن الحديث يدل على المنع من أن يسأل حوائج دنياه بوجه الله، وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث كما لا يخفى. والله أعلم.
وحديث الباب من جملة الأدلة المتواترة في الكتاب والسنة على إثبات الوجه لله تعالى؛ فإنه صفة كمال، وسلبه غاية النقص والتشبيه بالناقصات، كسلبهم جميع الصفات أو بعضها. فوقعوا في أعظم مما فروا منه، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. وطريقة أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا: الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته على ما يليق بجلال الله وعظمته، فيثبتون له ما أثبته لنفسه في كتابه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم وينفون عنه مشابهة المخلوق، فكما أن ذات الرب لا تشبه الذوات فصفاته كذلك لا تشبه الصفات، فمن نفاها فقد سلبه الكمال. [1] ضعيف: رواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن جعفر, وقال الهيثمي (6/ 35) بعد أن عزاه للطبراني: "وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة وبقية رجاله ثقات". والحديث ضعفه الأرناؤوط في تخريج زاد المعاد (3/ 130) . وضعفه الألباني في تخريح فقه السيرة لمحمد الغزالي ص (135, 136) . [2] رواه ابن إسحاق والطبراني عن عبد الله بن جعفر. [3] ضعيف: أخرجه الطبراني في الكبير (8027) عن أبي أمامة. وقال الهيثمي (10/ 117) : "وفيه فضال بن جبير وهو ضعيف مجمع على ضعفه" ا. هـ. [4] مسلم: صلاة المسافرين وقصرها (805) , والترمذي: فضائل القرآن (2883) , وأحمد (4/183) . [5] صحيح: جزء من حديث أخرجه أحمد (3/474) ، (6/ 134 , 146 , 147) ، أبو داود: الصلاة (792) ، وابن ماجة: كتاب الدعاء (3846) : باب الجوامع من الدعاء من حديث عائشة -رضي الله عنها-. وصححه ابن حبان (2413- موارد) ، والحاكم (1/ 521 , 522) ، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة (1542) وصحيح الجامع (1287) .