باب: " ما جاء في المصورين"
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة " [1]. أخرجاه.
ولهما عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أشد الناس عذابا يوم القيام الذين يضاهئون بخلق الله " [2].
ولهما عن ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل مصور في النار، يُجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم " [3].
ولهما عنه مرفوعا: " من صور صورة في الدنيا، كُلِّفَ أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ " [4].
قوله: "باب ما جاء في المصورين" أي من عظيم عقوبة الله لهم وعذابه.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من العلة: وهي المضاهاة بخلق الله؛ لأن الله تعالى له الخلق والأمر، فهو رب كل شيء ومليكه، وهو خالق كل شيء وهو الذي صور جميع المخلوقات، وجعل فيها الأرواح التي تحصل بها الحياة، كما قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [5]. فالمصور لما صور الصورة على شكل ما خلقه الله تعالى من إنسان وبهيمة صار مضاهئا لخلق الله. فصار ما صوره عذابا له يوم القيامة، وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ، فكان أشد الناس عذابا; لأن ذنبه من أكبر الذنوب.
فإذا كان هذا فيمن صور صورة على مثال ما خلقه الله تعالى من الحيوان، فكيف بحال من سوّى المخلوق برب العالمين وشبهه بخلقه، وصرف له شيئا من العبادة التي ما خلق الله الخلق إلا ليعبدوه وحده بما لا يستحقه غيره من كل عمل يحبه الله من العبد ويرضاه؟ فتسوية المخلوق بالخالق بصرف حقه لمن لا يستحقه من خلقه، وجعله شريكا له فيما اختص به تعالى وتقدس، هو أعظم ذنب عُصي الله تعالى به. ولهذا أرسل رسله وأنزل كتبه لبيان هذا الشرك [1] البخاري: التوحيد (7559) , ومسلم: اللباس والزينة (2111) , وأحمد (2/232) . [2] البخاري: كتاب اللباس (5954) : باب ما وطئ من التصوير. ومسلم: كتاب اللباس والزينة (2106) (92) : باب تحريم تصوير صورة الحيوان. [3] أخرجه البخاري بنحوه: كتاب البيوع (2225) : باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح. ومسلم: كتاب اللباس والزينة (2110) (99) : باب تحريم تصوير صورة الحيوان واللفظ له. [4] البخاري: التعبير (7042) , ومسلم: اللباس والزينة (2110) , والترمذي: اللباس (1751) , والنسائي: الزينة (5358 ,5359) , وأبو داود: الأدب (5024) , وأحمد (1/216 ,1/241) . [5] مسلم: الجنائز (969) , والترمذي: الجنائز (1049) , والنسائي: الجنائز (2031) , وأبو داود: الجنائز (3218) , وأحمد (1/96) . [5] سورة السجدة آية: 7-8-9.
الثامنة: عادة السلف في إزالة الشبهة بسؤال العلماء.
التاسعة: إن العلماء أجابوه بما يزيل شبهته، وذلك أنهم نسبوا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط.