ما كان منحوتا على صورة، والوثن ما كان موضوعا على غير ذلك. ذكره الطبري عن مجاهد.
قلت: وقد يسمى الصنم وثنا كما قال الخليل[1] - عليه السلام - {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} [2] الآية ويقال: إن الوثن أعم، وهو قوي، فالأصنام أوثان كما أن القبور أوثان.
قوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [3] أي اجعلني وبني في جانب عن عبادة الأصنام، وباعد بيننا وبينها. وقد استجاب الله تعالى دعاءه، وجعل بنيه أنبياء، وجنبهم عبادة الأصنام، وقد بين ما يوجب الخوف من ذلك بقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} [4] فإنه هو الواقع في كل زمان. فإذا عرف الإنسان أن كثيرا وقعوا في الشرك الأكبر وضلوا بعبادة الأصنام: أوجب ذلك خوفه من أن يقع فيما وقع فيه الكثير من الشرك الذي لا يغفره الله.
قال إبراهيم التيمي: " من يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ " رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
فلا يأمن الوقوع في الشرك إلا من هو جاهل به وبما يخلصه منه: من العلم بالله، وبما بعث به رسوله من توحيده، والنهي عن الشرك به[5]. [1] الخلة: أخص من المحبة, ولذلك اختص الله بها الخليلين: إبراهيم ومحمدا عليهما من الله أفضل الصلاة والسلام. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا أحدا خليلا لاتخذت أبا بكر، ولكن الله اتخذني خليلا" رواه البخاري. [2] سورة العنكبوت آية: 17. [3] سورة إبراهيم آية: 35. [4] سورة إبراهيم آية: 36. [5] في قرة العيون: فإذا كان الخليل إمام الحنفاء الذي جعله الله أمة واحدة, وابتلاه بكلمات فأتمهن, وقال: (وإبراهيم الذي وفى) وأمر بذبح ولده فامتثل أمر ربه, وكسر الأصنام واشتد نكيره على أهل الشرك, ومع ذلك يخاف أن يقع في الشرك الذي هو عبادة الأصنام؛ لعلمه أنه لا يصرفه عنه إلا الله بهدايته وتوفيقه, لا بحوله هو وقوته. فهذا أمر لا يؤمن الوقوع فيه. وقد وقع فيه الأذكياء من هذه الأمة بعد القرون المفضلة فاتخذت الأصنام وعبدت, فالذي خافه الخليل - عليه السلام - على نفسه وبنيه وقع فيه أكثر الأمة بعد القرون المفضلة, فبنيت المساجد والمشاهد على القبور، وصرفت لها العبادات بأنواعها, واتخذ ذلك دينا, وهي أوثان وأصنام كأصنام قوم نوح واللات والعزى ومناة وأصنام العرب وغيرهم. فما أشبه ما وقع في آخر هذه الأمة بحال أهل الجاهلية من مشركي العرب وغيرهم, بل وقع ما هو أعظم من الشرك في الربوبية مما يطول عده (*) فذكر - عليه السلام - السبب الذي أوجب له الخوف عليه وعلى ذريته بقوله (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس) , وقد ضلت الأمم بعباة الأصنام في زمن الخليل وقبله وبعده. فمن تدبر القرآن عرف أحوال الخلق وما وقعوا فيه من الشرك العظيم الذي بعث الله أنبياءه ورسله بالنهي عنه والوعيد على فعله, والثواب على تركه. وقد هلك من هلك بإعراضه عن القرآن, وجهله بما أمر الله به ونهى عنه. نسأل الله الثبات على الإسلام والاستقامة على ذلك إلى أن نلقى الله على التوحيد، إنه ولي ذلك والقادر عليه, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقال تعالى عن عيسى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) , رد أمرهم إلى الله كما رده محمد - عليه السلام -, وقد بين الله تعالى فيما أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حكمه في أهل الشرك بأنه لا يغفره لهم فلا معارضة، وقد بين حكمه فيهم في هذا الكتاب العزيز الذي 41: 42 (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) . (*) فإن أكثر الناس يعتقدون أن الأقطاب الأربعة وعلى رأسهم القطب الغوث يتصرفون في الكون بالإحياء والإماتة والرزق والضر والنفع وأن مجلس أوليائهم تعرض عليه شئون العالم. اقرأ كتاب الشعراني, و "الإبريز" للدباغ, وكتب التيجانية وغيرها من كتب أولئك الضالين المضلين، تجد الشرك الذي ما كان يخطر على بال أبي حهل وإخوانه؛ لأنهم لم يكونوا بوقاحة هؤلاء وفجورهم.