تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم وأدرك منه أولو الألباب أمراً وراء ذلك"1.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله ـ تعالى ـ موصوف بالرحمة والمغفرة.
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار"؟ قلنا: لا. والله وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها" 2.
ومما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في شأن ثبوت صفة المغفرة لله ـ جل وعلا ـ الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة رضي الله ـ تعالى ـ عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه ـ عز وجل ـ قال: "أذنب عبدي ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي فقال ـ تبارك وتعالى ـ أذنب عبدي عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربي أغفر لي ذنبي فقال ـ تبارك وتعالى ـ أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب إعمل ما شئت فقد غفرت لك" 3.
فهذان الحديثان دلا على أنه ـ تعالى ـ موصوف حقيقة بصفتي الرحمة والمغفرة كما يليق بذاته ـ جل وعلا ـ كما يقال في سائر الصفات: فالله ـ تعالى ـ هو الذي يتطلب منه المغفرة للذنوب، والرحمة للخلق فما دام العباد منيبين إليه قارعين بابه فإنه يتوب عليهم ويرحمهم برحمته التي وسعت كل شيء، والذي يتضح من الآيات والأحاديث المتقدمة التي سقناها أدلة على أن الله ـ تعالى ـ موصوف بصفتي الرحمة والمغفرة أن الرحمة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: رحمة عامة يشترك فيها المسلم والكافر، والبر والفاجر والبهائم وسائر الخلق دل على هذا القسم قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} 4.
1- مدارج السالكين 1/8، والتفسير القيم ص7 ـ 9.
2- صحيح مسلم 4/2109.
3- المصدر السابق 4/2112.
4- سورة الأعراف، آية: 156.