وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 1.
هذه الآية: بين الله ـ تعالى ـ فيها أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليوحدوه ـ سبحانه ـ ويفردوه بالعبادة لأنه لخالق لهم، والموجد لهم من العدم وهو الذي حباهم بأصناف النعم ثم بين ـ تعالى ـ في الآية الثانية أنه مستغن عن عباده وأنه لا يريد منهم منفعة كما تريد السادة من مواليهم بل هو الغني على الإطلاق الرازق المعطي ـ سبحانه وتعالى ـ.
وقد أنكر الله على اليهود حين نسبوا الفقر إلى الله ونسبوا الغنى إلى أنفسهم الحقيرة العاجزة التي لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً وحكم بكفرهم، لأنهم نفوا صفة الغنى عن الرب ـ سبحانه وتعالى ـ الذي خزائنه لا تنفد فقال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} 2.
ـ فتعالى الله الكريم ـ عن مقالة اليهود وأشباههم علواً كبيراً، ورد الله عليهم في موضع آخر حين زعموا أن يد الله مغلولة فرد عليهم بأن يديه مبسوطتان، سحاء الليل والنهار لا تغيضها نفقة، ولعنهم على مقالتهم الجائرة {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} 3.
قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} 4.
كما أنه ـ تعالى ـ رد على المنافقين حين تآمروا فيما بينهم على أن لا ينفقوا على الصحابة الملتفين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم كي يتفرقوا من حوله ويتركوه وحيداً ولم يدركوا أن الصحابة الذين كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما نزلت بهم النكبات والكوارث فإنهم لا يتزعزعون لأن إيمانهم راسخ لا يتزحزح كالجبال الرواسي، ورد الله على المنافقين بأنهم لا يملكون شيئاً وأن خزائن السموات والأرض بيده ـ سبحانه ـ.
1- سورة الذاريات آية: 56 ـ 58.
2- سورة آل عمران آية: 181.
3- سورة الكهف آية: 5.
4- سورة المائدة آية: 64.