وصف لازم لها دائماً لا تزال مفتقرة إليه، والإمكان والحدوث دليلان على الافتقار لأن هذين الوصفين جعلا الشيء مفتقراً، بل فقر الأشياء إلى خالقها لازم لها لا يحتاج إلى علة، كما أن غنى الرب لازم لذاته لا يفتقر في اتصافه بالغنى إلى علة، وكذلك المخلوق لا يفتقر في اتصافه بالفقر إلى علة بل هو فقير لذاته لا تكون ذاته إلا فقيرة فقراً لازماً لها ولا يستغني إلا بالله. وهذا معنى "الصمد" وهو الذي يفتقر إليه كل شيء ويستغنى عن كل شيء بل الأشياء مفتقرة من جهة ربوبيته ومن جهة إلهيته فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا يصلح ولا ينفع ولا يدوم وهذا تحقيق قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِياك نَسْتَعِينُ} 1.
وقال العلامة ابن القيم رحمة الله ـ تعالى ـ عليه بعد أن ذكر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} 2.
بين ـ سبحانه ـ في هذه الآية أن فقر العباد إليه أمر ذاتي له فغناه وحمده ثابت له لذاته لا لأمر أوجبه، وفقر من سواه إليه ثابت له لذاته، لا أمر أوجبه فلا يعلل هذا الفقر بحدوث ولا إمكان، بل هو ذاتي للفقير، فحاجة العبد إلى ربه لذاته لا لعلة أوجبت تلك الحاجة كما أن غنى الرب ـ سبحانه ـ لذاته لا لأمر أوجب غناه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
والفقر لي وصف ذات لازم أبدا ... ًكما أن الغنى أبداً وصف له ذاتي
فالخلق فقير محتاج إلى ربه بالذات لا بعلة وكل ما يذكر ويقرر من أسباب الفقر والحاجة فهي أدلة على الفقر والحاجة لا علل لذلك إذا ما بالذات لا يعلل فالفقير بذاته محتاج إلى الغني بذاته وما يذكر من إمكان وحدوث واحتياج فهي أدلة على الفقر لا أسباب له ولهذا كان الصواب في مسألة علة احتياج العالم إلى الرب ـ سبحانه ـ غير القولين اللذين تذكرهما الفلاسفة والمتكلمون، فإن الفلاسفة قالوا: علة الحاجة الإمكان، والمتكلمون قالوا: علة الحاجة الحدوث. والصواب أن الإمكان والحدوث متلازمان وكلاهما دليل الحاجة والافتقار وفقر العالم إلى الله ـ سبحانه ـ أمر ذاتي لا يعلل فهو فقير بذاته إلى ربه الغني بذاته ثم يستدل بإمكانه وحدوثه وغير ذلك من الأدلة على هذا الفقر، والمقصود أنه ـ سبحانه ـ أخبر عن حقيقة العباد وذواتهم بأنها فقيرة إليه ـ سبحانه ـ كما أخبر عن ذاته
1- مجموع الفتاوى 5/514 ـ 515 والآيتان رقم 4 ـ 5 من سورة الفاتحة.
2- سورة فاطر آية: 15.