تشابه بين صفة الخالق، وصفة المخلوق لأن ما وصف الله به نفسه لائق بجلاله، وما وصف به المخلوق، يناسب حاله وافتقاره.
وقد دلت السنة على إثبات صفة الرضا كما دل عليها القرآن الكريم فقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ـ عز وجل ـ يقول يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يا رب: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"1.
فالحديث دل على أن رضى الله أعظم، وأجل من كل نعيم، كما دل دلالة واضحة على إثبات صفة الرضا والسخط إثباتاً يليق بجلاله.
ومن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً: ويكره لكم ثلاثاً فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم ثلاثاً قيل وقال2 وكثرة السؤال3 وإضاعة المال" 4.
فالحديث دل على أنه ـ تعالى ـ يرضى ويكره وهاتان الصفتان صفتا كمال ولو كان في إثبات هاتين الصفتين وغيرهما محذور لأشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وبينه ووضحه للأمة، فهو ـ سبحانه ـ يرضى رضاءاً يليق بجلاله، ويكره بعض الأعمال كراهة تليق به، ولا داعي لأن نتأول الحديث بتأويلات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان. كتأويل الرضا، والسخط والكراهة من الله ـ تعالى ـ بأن المراد بها أمره ونهيه وثوابه وعقابه، أو إرادته الثواب لبعض العباد والعقاب لبعضهم5 إذ هذه التأويلات من تصرف بعض الطوائف كالأشعرية الكلابية الذين يتكلفون تأويلات لم يكلفهم الله بها، بل هي تأويلات باطلة ناتجة عن التصرف
1- متفق عليه: صحيح البخاري مع الفتح 13/487، وصحيح مسلم 4/2176.
2- قيل وقال: الخوض في أخبار الناس وحكاية ما لا يعني من أحوالهم وتصرفاتهم.
3- كثرة السؤال: هو التنطع في المسائل والإكثار من السؤال عما لم يقع، وقيل المراد به سؤال الناس أموالهم.
4- رواه مسلم في صحيحه 4/340.
5- انظر شرح النووي على صحيح مسلم 12/10.