الخاطىء إزاء صفات الله ـ تعالى ـ التي أثبتها لنفسه، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم بدون تعطيل ولا تأويل، كما أن الحديث تضمن الرد على القدرية الجبرية الذين يزعمون أن كل ما في الكون محبوب لله حتى المعاصي ـ تعالى عن ذلك وتقدس ـ فقد بين الحديث أنه ـ سبحانه ـ يكره القيل والقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال.
ومن حديث أنس رضي الله عنه قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحاً يدعو على رعل1 وذكوان2 وعصية3 عصت الله ورسوله قال أنس: "أنزل الله ـ عز وجل ـ في الذين قتلوا ببئر معونة قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه" 4.
ففي الحديث دلالة صريحة واضحة على إثبات صفة الرضا ـ للرب جل وعلا ـ حيث أكرم الله ـ عز وجل ـ تلك الفئة المؤمنة من شهداء بئر معونة برضاه الذي هو أعظم من كل نعيم ورضوا بما أكرمهم الله ـ تعالى ـ به من دخول الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ومما ينبغي أن يعلم أن السلف الصالح كانوا يطلقون الصفات الخبرية على الله بدون توقف، ولكن الأمر انعكس اليوم فأصبح كثير من أتباع العقيدة الأشعرية الكلابية يتوقفون من إطلاق الكثير من الصفات الخبرية على الله ـ تعالى ـ إلا بنية تأويلها وتفسيرها بلازمها.
فمذهب السلف الصالح الذي هو الطريق السوي هو التسليم بما جاء في الكتاب والسنة، ولا يتجاوزونهما فالله يرضى ويغضب ويحب ويفرح كما أخبر بذلك عن نفسه وأخبر رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما احتجاج أبي علي الجبائي المعتزلي بالآية التي صدرنا بها هذا المبحث وهي قوله تعالى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} على أن العبد يخلق أفعاله، وقال: لو أن الله خلق الكفر لكان قد رضي الكفر من الوجه الذي خلقه ولو كان
1- رعل: قبيلة من سليم بن منصور من العدنانية تنتسب إلى رعل بن عوف بن مالك. الفتح 7/379
2- ذكوان: قبيلة من بني سليم بن منصور من قيس بن غيلان من العدنانية. انظر تاريخ ابن خلدون 2/307.
3- عصية: بطن من بلى من قضاعة من القحطانية. انظر نهاية الأرب للنويري 2/296.
4- رواه مسلم في صحيحه 1/468.