قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله ـ عز وجل ـ يجعل السموات على إصبع والأرضيين على إصبع والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع فيقول: أنا الملك فضحك رسول صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1.
هذا الحديث قال فيه المعطلة نفاة الصفات: إنه من كلام اليهودي، وليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، واليهود الغالب عليهم التشبيه وقد نهينا عن تصديق أهل الكتاب، أو تكذيبهم وضحك الرسول صلى الله عليه وسلم على مقالة الحبر إنما هو من تشبيه اليهود للخالق بالمخلوق، وليس إقرار له بل هو استنكار اهـ2.
والجواب: أما كون ذكر الأصابع في الحديث من قول الحبر لا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا صحيح كما نطق بذلك الحديث.
وأما أنه عليه الصلاة والسلام لم يتلفظ بما يؤيد قول الحبر فهذا باطل إذ الثابت عنه صلى الله عليه وسلم ما هو أبلغ من ذلك وهو أنه عليه الصلاة والسلام ظهر عليه علامة السرور بقول الحبر، ولو كان في قوله نوع تشبيه لله ـ جل وعلا ـ بخلقه لتمعر وجهه ولغضب غضباً شديداً، ولزجر اليهودي وبين للأمة أنه غير صادق فيما قال لأن ذلك طعن لعقيدة الإسلام في صميمها، ولكن ضحكه صلى الله عليه وسلم دال على إقراره له، وأن ما قاله مما يؤيده الإسلام ويقره ويقال لهؤلاء النفاة أيضاً: لستم أعرف بحال الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابي الراوي لهذا الحديث.
قال ابن خزيمة رحمه الله تعالى: " ... وقد أجل الله قدر نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف الخالق ـ الباري ـ بحضرته مما ليس من صفاته فيسمعه فيضحك عنده، ويجعل بدل وجوب النكير والغضب على المتكلم به ضاحكاً تبدو نواجذه تصديقاً وتعجباً لقائله لا يصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة مؤمن مصدق برسالته"اهـ3.
1- صحيح البخاري 3/182.
2- انظر "كتاب الأسماء والصفات" للبيهقي ص425 وما بعدها، فتح الباري 8/551.
3- "كتاب التوحيد" ص76.