وقال عثمان بن سعيد الدارمي بعد أن ساق كثيراً من الآيات الدالة على علو الله ـ تعالى ـ راداً على الجهمية ومبيناً بطلان مذهبهم في إنكار صفة العلو: " أقرت هذه العصابة ـ يعني الجهمية ـ بهذه الآيات بألسنتها وادعوا الإيمان بها، ثم نقضوا دعواهم بدعوى غيرها، فقالوا: الله في كل مكان لا يخلو منه مكان قلنا قد نقضتم دعواكم بالإيمان باستواء الرب على عرشه إذا ادعيتم أنه في كل مكان فقالوا: تفسيره عندنا: أنه استولى عليه وعلاه. قلنا فهل من مكان لم يستول عليه ولم يعله حتى خص العرش من بين الأمكنة بالاستواء عليه؟.
وكرر ذكره في مواضع كثيرة من كتابه فأي معنى إذاً لخصوص العرش إذا كان عندكم مستوياً على جميع الأشياء وكاستوائه على العرش ـ تبارك وتعالى ـ هذا محال وباطل في الكلام"1. أ. هـ.
فلو كان ـ الباري سبحانه وتعالى ـ في كل مكان على حسب زعم الجهمية لجعل كل شيء دكاً فإنه حين سأله كليمه موسى عليه السلام أن يريه ينظر إليه قال له: {قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} 2.
قال ابن خزيمة في معنى هذه الآية "أفليس العلم محيطاً يا ذوي الألباب أن الله ـ عز وجل ـ لو كان في كل موضع ومع كل بشر وخلق كما زعمت ـ الجهمية ـ المعطلة لكان متجلياً لجميع أرضه سهلها ووعرها وجبالها وبراريها ومفاوزها ومدنها وقراها وعمارتها وخرابها وجميع ما فيها من نبات وبناء لجعلها دكاً كما جعل الله الجبل الذي تجلى له دكاً" أ. هـ3.
وبالجملة فظاهر القرآن يدل على إثبات علو الله ـ تبارك وتعالى ـ وأنه على عرشه الذي هو أعلى المخلوقات وهو ـ سبحانه ـ بائن من خلقه ويغنينا في ذلك التنزيل ولا حاجة لنا إلى تأويل المكذبين به في أنفسهم ويتسترون عن ذلك باسم التأويل وليس هو تأويلاً، وإنما هو تحريف وتعطيل وتبديل.
1- الرد على الجهمية ص18.
2- سورة الأعراف، آية: 143.
3- كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب ص112.