والقاري للكتب التي ألفت في أسباب نزول آيات القرآن يجد أن الصحابة الذين فسروا كتاب الله ـ تعالى ـ وبينوا أحكامه، وفرائضه وحدوده، يقولون: نزلت آية كذا في كذا، ونزلت سورة كذا في مكان كذا ولم ينقل عن أحد منهم أنه قال: طلعت من تحت الأرض، ولا جاءت من أمام، ولا من خلف بل كل الآيات والسور يذكرون أنها نزلت من فوق لا من تحت الأرض، ولا خرجت منها.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن الله ـ تعالى ـ متصف بصفة العلو والفوقية ومن تلك الأحاديث ما يلي:
1 ـ حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: "كانت لي غنم بين أحد والجوانية1 فيها جارية لي، فأطلعتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة ـ وأنا رجل من بني آدم ـ فصككتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فعظَّم ذلك عليّ فقلت يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ادعها: فدعوتها فقال لها أين الله؟ قالت في السماء. قال: من أنا؟ قالت: رسول الله. قال: اعتقها فإنها مؤمنة"2.
فهذا الحديث من أنصع الأدلة وضوحاً على إبطال مذهب الجهمية وهو صفعة قوية لأهل التعطيل على رؤوسهم حيث شهد الرسول صلى الله عليه وسلم للجارية بالإيمان حين وجّه لها سؤالين اختبر بهما إيمانها، ولما نجحت في الإجابة عليهما، وبالأخص السؤال الأول حيث أجابت بأن الله ـ تعالى ـ في السماء فرضي عليه الصلاة والسلام إجابتها وأقرها عليها وشهد لها بالإيمان، وفي الحقيقة أن إجابة تلك الجارية لا يستطيع أن يجيب بها جهمي، ومن يدور في ركابه لما حل في قلبه من الإعتقاد الفاسد لأنه يعتقد أن الله ـ جل وعلا ـ في كل مكان ولو سألت معطلاً وقلت له أين الله؟ لقال: لا يسأل عن الله بأين. قال عثمان بن سعيد الدارمي بعد سياقه لحديث معاوية بن الحكم السلمي:"ففي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا دليل على أن الرجل إذا لم يعلم أن الله في السماء دون الأرض فليس بمؤمن ولو كان عبداً فأعتق لم يجز في رقبة مؤمنة إذ لا يعلم أن الله في السماء"3. أ. هـ.
لو كان الله في الأرض كما يدعيه ضلال الجهمية لأنكر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وعلّمها،
1- الجوانية: موضع شمالي المدينة بقرب أحد. "شرح النووي على مسلم 5/23".
2- صحيح مسلم 1/382، وانظر: الرد على الجهمية للدارمي ص22، كتاب التوحيد لابن خزيمة ص121.
3- الرد على الجهمية ص22.