وأما القسم الثاني:
وهو ما يتعلق بمعاملته ـ سبحانه ـ فهو أربعة أنواع1.
النوع الأول: شرك الدعوة وقد أشار إليه ـ سبحانه ـ بقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 2.
قال العلامة ابن جرير يقول تعالى ذكره: "فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه {دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} يقول: أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم التوحيد وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودية، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم ولكن بالله الذي خلقهم {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه وسلمهم، فصاروا إلى البر إذا هم يجعلون مع الله شريكاً في عبادتهم ويدعون الإلهة والأوثان معه أرباباً.
قال قتادة {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} فالخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك أ. هـ3.
ومن تفسير ابن جرير للآية السابقة يتبين لنا أن شرك المشركين السابقين كان أخف من شرك المتأخرين إذا أولئك كان شركهم مقصوراً في حالة الرخاء أما في الشدة فكانوا يخلصون الدعاء لله وحده لا شريك له أما مشركو زماننا فإنهم ينادون ويستغيثون بغير الله في الشدة والرخاء على حد سواء قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ـ تعالى ـ "فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:
أحدهما: أن الأولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والأولياء مع الله إلا في الرخاء، وأما في الشدة، فيخلصون لله الدعاء كما قال ـ تعالى ـ {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُوراً} 4 ...
1- انظر الرسالة الأولى من "مجموعة التوحيد لشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهما ص6 ـ 7".
2- سورة العنكبوت آية: 65.
3- جامع البيان 21/13.
4- سورة الإسراء آية: 67.