إلى أن قال: فمن هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون الله ـ تعالى ـ ويدعون غيره في الرخاء وأما في الضراء والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له، وينسون ساداتهم، تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً جيداً راسخاً؟ والله المستعان.
الأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة، أو يدعون أحجاراً أو أشجاراً مطيعة لله ليست عاصية وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك والذي يعتقد في الصالح، أو الذي لا يعصي ـ مثل الخشب والحجر ـ أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به" أ. هـ1.
النوع الثاني: شرك المحبة كما ذكر الله عن بعض الناس بقوله {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ} 2.
قال العلامة ابن القيم: "فأخبر أن من أحب من دون الله شيئاً كما يحب الله ـ تعالى ـ فهو ممن اتخذ من دون الله أنداداً فهذا نداً في المحبة لا في الخلق والربوبية، فإن أحداً من أهل الأرض لم يثبت هذا الند في الربوبية بخلاف ند المحبة فإن أكثر أهل الأرض قد اتخذوا من دون الله أنداداً في الحب والتعظيم ثم قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ} وفي تقدير الآية قولان:
أحدهما: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ} من أصحاب الأنداد لأندادهم وآلهتهم التي يحبونها ويعظمونها من دون الله.
الثاني: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ} من محبة المشركين بالأنداد لله فإن محبة المؤمنين خالصة، ومحبة أصحاب الأنداد قد ذهبت أندادهم بقسط منها، والمحبة الخالصة أشد من المشتركة، والقولان على القولين في قوله ـ تعالى ـ: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} 3 فإن فيها قولين:
1- كشف الشبهات ص227 ضمن مجموعة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
2- سورة البقرة آية: 165.
3- سورة آية: 165.