ويهدونهم السبي فلا يستجيبون ولا يهتدون ولا يفرقون بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم والأنعام تفرق بين ما يضرها من النبات والطريق فتجتنبه وما ينفعها فتؤثره، والله ـ تعالى ـ لم يخلق للأنعام قلوباً تعقل بها، ولا ألسنة تنطق بها وأعطى ذلك لهؤلاء ثم لم ينتفعوا بما جعل لهم من العقول والقلوب والألسنة والأسماع والأبصار فهم أضل من البهائم فإن من لا يهتدي إلى الرشد وإلى الطريق ـ مع الدليل ـ إليه أضل وأسوأ حالاً ممن لا يهتدي حيث لا دليل معه"1.
والناظر في زمننا الحاضر يرى بأم عينيه أن عبادة الهوى غلبت على الكثير من الأمة الإسلامية فتراهم يستحسنون ما تمليه عليهم أهواؤهم فيستحسنون ويستقبحون بعقولهم ولم يلتفتوا إلى الهدى الذي جاءهم من ربهم جل وعلا بل إننا نرى الكثير ينصر ما توحيه الشياطين إلى أوليائهم من الإنس من المبادئ والمذاهب والتسميات والحزبيات التي كانت سبباً في تفرقهم واختلافهم وكان من أهم الأسباب التي جعلت عدوهم يطمع فيهم وذلك نتيجة لاتباع الهوى، والبعد عما فيه الرشاد والهدى، لا قوة إلا بالله.
4ـ عبادة الأجرام السماوية:
ومن المعبودات التي عبدت من دون الله ـ تعالى ـ بعض الآيات الكونية مثل الشمس والقمر والكواكب والماء والنار وغير ذلك من المخلوقات.
قال العلامة ابن القيم: "وأصل هذا المذهب من مشركي الصابئة، وهم قوم إبراهيم عليه السلام الذين ناظرهم في بطلان الشرك وكسر حجتهم بعلمه وآلهتهم بيده فطلبوا تحريقه، وهو مذهب قديم في العالم، وأهله طوائف شتى فمنهم عباد الشمس زعموا أنها ملك من الملائكة لها نفس وعقل وهي أصل نور القمر والكواكب وتكون الموجودات السفلية كلها عندهم منها، وهي عندهم ملك الفلك فيستحق التعظيم، والسجود والدعاء"2.
وقد ذكر الجصاص3 أن الصابئة اتخذوا الأجرام السماوية معبودات لهم من دون
1- أعلام الموقعين 1/159.
2- إغاثة اللهفان 2/223.
3- هو أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص "أبو بكر" فقيه، مجتهد ورد بغداد في شبيبته، ودرس، وجمع ودرس عليه كثير من الفقهاء توفي ببغداد سنة سبعين وثلاثمائة هجرية انظر ترجمته في الفهرس لابن النديم ص293 المنتظم لابن الجوزي 7/105، 106 الفوائد البهية 27، 28 النجوم الزاهرة 4/138.