فمعنى قوله تعالى في الآية السابقة {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} أي: مؤتمناً وشاهداً على ما قبله من الكتب، ومصدقاً لها يعني: يصدق ما فيها من الصحيح وينفي ما فيها من التحريف، والتبديل والتغيير ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير"1.
2ـ أن القرآن الكريم هو الكتاب الإلهي الوحيد الذي ضمن الله حفظه وصانه من عبث البشر. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 2 وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} 3 قال ابن كثير عند قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} "ثم قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر وهو القرآن وهو الحافظ له من التغيير والتبديل"اهـ4.
"فمن أجاز أن يتمكن أحد من زيادة شيء في القرآن، أو نقصانه منه، أو تحريفه، أو تبديله، فقد كذب على الله تعالى في خبره، وأجاز وقوع الخلف فيه وذلك كفر ... فصح أن من تمام الإيمان الإعتراف بأن جميعه هذا، المتوارث خلفاً عن سلف لا زيادة فيه ولا نقصان"5. ومزية الحفظ هذه للقرآن الكريم متفرعة عن مزية أخرى وهي أن هذا الكتاب العظيم أنزله الله للبشرية جمعاء وليس خاصاً بأمة معينة، أو قوم معينين كما كان الحال في الكتب السابقة وكان حفظه من التحريف والتغيير والتبديل الذي يحصل من البشر العابثين لكي يبقى ما تضمنه حجة قائمة على الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أما الكتب السماوية الأخرى، فكانت تنزل ويوجه الكلام الذي تتضمنه إلى أمم مخصوصة دون سائر الأمم وإن اتفقت في أصل الدين إلا أن أحكامها وشرائعها خصت بأزمنة معينة، وأقوام معينين قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} 6.
قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} يقول: سبيلاً وسنة، والسنن مختلفة، هي في التوراة شريعة، وفي الإنجيل شريعة، وفي الفرقان
1- انظر جامع البيان 6/266 وما بعدها، تفسير القرآن العظيم 2/586 ـ 587، فتح القدير 2/47 ـ 48.
2- سورة الحجر آية: 9.
3- سورة فصلت آية: 41 ـ 42.
4- تفسير القرآن العظيم 4/154.
5- كتاب المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 1/320.
6- سورة المائدة آية: 48.