وقال صلى الله عليه وسلم في شأن الحمر: "ما أنزل الله علي فيها شيئاً إلا هذه الآية الجامعة الفاذة" {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} 1.
وكما أن العباد لم يوجدوا أنفسهم فكذلك لم يوجدوا أفعالهم، فقدرتهم وإرادتهم ومشيئتهم وأفعالهم، تبع لقدرة الله ـ سبحانه ـ وإرادته ومشيئته وأفعاله، إذ هو ـ تعالى ـ خالقهم وخالق قدرتهم ومشيئتهم وإرادتهم وأفعالهم وليست مشيئتهم وإرادتهم وقدرتهم وأفعالهم هي عين مشيئة الله ـ تعالى ـ وإرادته، وقدرته، وفعله، كما ليسوا هم إياه ـ تعالى ـ عن ذلك علواً كبيراً بل إن أفعالهم المخلوقة قائمة بهم لائقة بهم مضافة إليهم حقيقة، وهي من آثار أفعاله ـ تعالى ـ القائمة به اللائقة المضافة إليه حقيقة.
فالله ـ تعالى ـ هاد حقيقة، والعبد مهتد حقيقة ولهذا أضاف ـ تعالى ـ كلاً من الفعلين إلى من قام به. فقال ـ عز وجل ـ {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَد} 2 فإضافة الهداية إلى الله ـ تعالى ـ حقيقة، وإضافة الاهتداء إلى العبد حقيقة، وكما أن الهادي ـ تعالى ـ ليس هو عين المهتدي فكذلك ليست الهداية هي عين الإهتداء، وكذلك يضلل الله ـ تعالى ـ من يشاء حقيقة، وذلك العبد يكون ضالاً حقيقة وهو ـ سبحانه ـ وتعالى خالق المؤمن وإيمانه والكافر وكفره كما قال ـ جل وعلا ـ {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 3. فالله ـ تعالى ـ هو الخالق لعباده على هذه الصفة وأراد منهم ذلك كوناً لا شرعاً، فلا بد من وجود المؤمن والكافر، وهو ـ سبحانه ـ البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلال وهو شهيد على أعمالهم وسيجزيهم عليها جزاءاً وفاقاً ولذلك قال تعالى: {وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 4 فأضاف ـ سبحانه ـ الخلق الذي هو فعله القائم به إليه حقيقة وأضاف الإيمان والكفر الذي هو عملهم القائم بهم إليهم حقيقة والله ـ تبارك وتعالى ـ هو الذي جعلهم كذلك، وهم فعلوه فاختيارهم وقدرتهم ومشيئتهم التي منحهم الله إياها وخلقها فيهم وأمرهم ونهاهم بحسبها.
1- متفق عليه من حديث أبي هريرة، صحيح البخاري 3/220، مسلم 2/682.
2- سورة الأعراف آية: 178.
3- سورة التغابن آية: 2.
4- جزء من الآية رقم 2 من سورة التغابن.