ويشبه قول الجبرية في البطلان الكسب عند الأشاعرة فإنهم يقولون: إن قدرة العبد لا تأثير لها في فعله.
جاء في "غاية المرام" "وذهب من عدا هؤلاء من أهل الحق إلى أن أفعال العباد مضافة إليهم بالإكتساب وإلى الله تعالى بالخلق والإختراع وأنه لا أثر للقدرة الحادثة فيها أصلاً"1. "وهذا المذهب مماثل لمذهب الجبرية إن لم يكن عينه، وليس أهله أهل الحق كما زعم إذ كيف يثبتون قدرة لا أثر لها، وهذا في الحقيقة نفي للقدرة كلياً ولهذا يقال: كسب الأشعري من محالات الكلام"2.
وأما ترتب الجزاء على الأعمال فقد ضلت فيه طائفتا الجبرية والقدرية وهدى الله أهل السنة والجماعة وذلك بفضله ومنته عليهم بسلوك الصراط السوي.
فهم يقولون: إن الباء التي في النفي غير الباء التي في الإثبات فالمنفي في قوله عليه الصلاة والسلام "لن يدخل أحد الجنة بعمله" 3 باء العوض وهو أن تكون العمل كالثمن لدخول الرجل إلى الجنة كما تزعم ذلك المعتزلة أن العامل مستحق دخول الجنة على ربه بعمله. بل ذلك برحمة الله وفضله والباء التي في قوله ـ تعالى ـ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 4 وغيرها باء السبب أي بسبب عملكم والله ـ تعالى ـ هو خالق الأسباب والمسببات فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته"5.
وأما استدلال المعتزلة بقوله ـ تعالى ـ {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} 6 فمعنى هذه الآية: أحسن المصورين المقدرين و"الخلق" يذكر ويراد به التقدير وهو المراد هنا بدليل قوله ـ تعالى ـ {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء} 7.
والناظر في مذهب الجبرية والقدرية يجد أن كل طائفة منهما معها حق وباطل وأدلة
1- غاية المرام ص207، الاعتقاد للبيهقي ص60، المواقف في علم الكلام ص312 وما بعدها.
2- شفاء العليل ص50.
3- تقدم تخريجه قريباً وهو في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها وعن أبيها.
4- سورة السجدة آية: 17.
5- مجموع الفتاوى 8/70، وشرح الطحاوية 495.
6- سورة المؤمنون آية: 14.
7- سورة الرعد آية: 16.