هذه سبع آيات من السورة دلت على أن الهداية والإضلال بيد الله، وأن الله تعالى هو الهادي والعبد هو المهتدي.
فالآية الأولى: وهي قوله: {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} ففيها الإخبار من الله ـ جل وعلا ـ بأنه لا يوفق للهداية إلى صراطه المستقيم من صفته الكذب والكفر بحيث تصل إليه المواعظ والآيات البينات ولا يزول عنه ما اتصف به من الصفات التي تحول بينه وبين الهداية حيث يرى الآيات فيجحدها ويكفر بها ويكذب فمثل هذا أنى له الهدى وقد أغلق على نفسه الباب فعاقبه الله بالطبع على قلبه فصار ليس أهلاً للهداية.
قال ابن جرير رحمه الله ـ تعالى ـ "يقول تعالى ذكره {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي} إلى الحق ودينه الإسلام والإقرار بوحدانيته فيوفقه له {مَنْ هُوَ كَاذِبٌ} مفتر على الله يتقول عليه الباطل، ويضيف إليه ما ليس من صفته يزعم أن له ولداً افتراءاً عليه كفار لنعمه جحود لربوبيته" أ. هـ1.
وقال الرازي: {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} والمراد أن من أصر على الكذب والكفر بقي محروماً عن الهداية" أ. هـ2.
وأما الآية الثانية: وهي قوله: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} هذه الآية بينت بأن من فسح الله قلبه لمعرفته والإقرار بوحدانيته والإذعان لربوبيته، والخضوع لطاعته، فهو على بصيرة مما هو عليه ويقين بتنوير الحق في قلبه، فهو لذلك لأمر الله متبع، وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه، ومن كان كذلك لا يستوي هو ومن أقسى الله قلبه وأخلاه من ذكره وضيقه عن استماع الحق، واتباع الهدى، والعمل بالصواب فبين هذا والذي قبله فرق عظيم، وتفاوت كبير إذ الذين قست قلوبهم عن ذكر الله في ضلال واضح بين عن الحق. قال مجاهد: "ليس المنشرح صدره مثل القاسي قلبه"3.
وأما الآية الثالثة: وهي قوله: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً} الآية. فهذه
1- جامع البيان 23/192.
2- التفسير الكبير 26/192.
3- جامع البيان 23/209.