الآية بين الله ـ تعالى ـ فيها أن التأثير الحاصل لعباده المؤمنين عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم ولين قلوبهم إنما هو هدى من يهدي به من يشاء من عباده وهو من جملة فضل الله وإحسانه عليهم.
فالقرآن طريق موصل إلى الله ـ تعالى ـ يهدي به من يشاء من عباده وهم الذين صلحت أعمالهم وحسنت مقاصدهم كما قال ـ عز وجل ـ {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} 1، فلا سبيل إلى الله إلاَّ بتوفيقه، والتوفيق للإقبال على كتابه فإذا لم يحصل للعباد ذلك فلا وصول إلى الهدى، وما هو إلا الضلال المبين والشقاء الأليم.
قال ابن جرير رحمه الله ـ تعالى ـ {ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} يقول تعالى ذكره "هذا الذي يصيب هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم، ثم لينها ولين قلوبهم إلى ذكر الله من بعد ذلك وهدى الله يعني: توفيق الله إياهم ووفقهم له {يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} يقول: يهدي تبارك وتعالى بالقرآن من يشاء من عباده، إلى أن قال وقوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يقول تعالى ذكره: ومن يخذله الله عن الإيمان بهذا القرآن والتصديق بما فيه، فيضله عنه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يقول: فما له من موفق له ومسدد يسدده في اتباعه" أ. هـ2.
وأما الآية الرابعة: وهي قوله تعالى: {..... وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} ففيها توضيح أن من أضله الله لم يكن لأحد سبيل إلى هدايته ورده من الكفر إلى الإيمان.
قال القرطبي: " {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} أي من خذله الله فلا مرشد له وهو يرد على القدرية"3.
وأما الآية الخامسة: وهي قوله: {وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ... } الآية. بين الله ـ تعالى ـ فيها أن من هداه ووفقه للرشاد فليس لأحد طريق إلى إضلاله.
قال الطبري: {وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ... } يقول: "ومن يوفقه الله
1- سورة المائدة آية:16.
2- جامع البيان 23/211.
3- الجامع لأحكام القرآن 15/250.