الأنبياء فالأظهر أنه غشية، فإذا نفخ في الصور نفخة البعث فمن مات حيي ومن غشي عليه أفاق، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: فأكون أول من يصعق فنبينا أول من يخرج من قبره قبل جميع الناس إلا موسى فإنه حصل له فيه تردد: هل بعث قبله من غشيته أو بقي على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق مفيقاً لأنه حوسب بصعقة يوم الطور؟ وهذه فضيلة عظيمة في حق موسى عليه السلام ولا يلزم من فضيلة أحد الأمرين المشكوك فيهما فضيلة موسى على محمد صلى الله عليه وسلم مطلقاً لأن الشيء الجزئي لا يوجب أمراً كلياً" أ. هـ1.
وقال أبو عبد الله القرطبي: إن حمل الحديث على صعقة الخلق يوم القيامة فلا إشكال، وإن حمل على صعقة الموت عند نفخ الصور وصرف ذكر يوم القيامة إلى أنه أراد أوائله، فيكون المعنى: "إذا نفخ في الصور نفخة البعث كنت أول من يرفع رأسه فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور"2.
وقد رد هذا العلامة ابن القيم فقال: "وحمل الحديث على هذا لا يصح لأنه صلى الله عليه وسلم تردد هل أفاق موسى قبله أم لم يصعق بل جوزي بصعقة الطور، فالمعنى لا أدري أصعق أم لم يصعق، وقد قال في الحديث: فأكون أول من يفيق، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يصعق فيمن يصعق، وأن التردد حصل في موسى هل صعق وأفاق قبله من صعقته أم لم يصعق ولو كان المراد به الصعقة الأولى وهي صعقة الموت لكان صلى الله عليه وسلم قد جزم بموته وتردد هل مات موسى أم لم يمت، وهذا باطل لوجوه كثيرة، فعلم أنها صعقة فزع لا صعقة موت وحينئذ فلا تدل الآية على أن الأرواح كلها تموت عند النفخة الأولى نعم تدل على أن موت الخلائق عند النفخة الأولى وكل من لم يذق الموت قبلها فإنه يذوقه حينئذ وأما من ذاق الموت أو من لم يكتب عليه الموت فلا تدل الآية على أنه يموت موتة ثانية، والله أعلم ـ ثم قال رحمه الله ـ:
فإن قيل: فكيف تصنعون بقوله في الحديث: إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض فأجد موسى باطشاً بقائمة العرش3، قيل لا ريب أن هذا قد ورد
1- التذكرة ص169 بتصرف.
2- المصدر السابق ص168.
3- صحيح البخاري مع الفتح 11/367، صحيح مسلم 4/1844 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.