الخلائق يوم القيامة إذا جاء الله ـ سبحانه ـ لفصل القضاء بين العباد وتجلى لهم فإنهم يصعقون جميعاً، وأما موسى صلى الله عليه وسلم فإن كان لم يصعق معهم فيكون قد حوسب بصعقته يوم تجلى ربه للجبل فجعله دكاً، فجعلت صعقة هذا التجلي عوضاً من صعقة الخلائق لتجلي الرب يوم القيامة" أ. هـ1.
وما ذكره ابن القيم من اعتبار الصعق لتجلي الله يوم القيامة محتمل وهناك احتمال آخر وهو أن هذا الصعق يكون النفخة الثانية، والصعق عندها صعقان صعق موت لمن كان حينئذ على قيد الحياة في الدنيا وصعق غشي فيمن تكون حياته حياة برزخية، وعلى هذا يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره حصل له هذا الصعق، وموسى يحتمل أن يكون حصل له هذا الصعق ويحتمل أنه لم يحصل له فيكون جوزي بصعقة الطور أو يكون ممن استثنى الله.
والذي يبدو أن الراجح في الاستثناء المذكور في الآية: "أنه متناول لمن في الجنة من الحور العين إذ الجنة لا موت فيها وإنما هي دار خلود وبقاء كما أنه يتناول غيرهم وليس في إمكان أحد أن يقطع بكل من استثناه الله فلا يمكننا أن نجزم بذلك فيصير هذا مثل العلم بقرب الساعة وأعيان الأنبياء وغير ذلك مما لم يرد فيه خبر عن الشارع إذ هذا الأمر لا تتم معرفته إلا عن طريق خبر الشارع وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ تعالى ـ"2.
وقد دلت السنة على أن هناك مدة بين نفختي الصعق والبعث.
روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين النفختين أربعون" قالوا: أربعون شهراً؟ قال: "أبيت" 3 قالوا: أربعون سنة؟ قال: "أبيت. ثم ينزل الله من السماء ماءاً فينبتون كما ينبت البقل" قال "وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب4 الذنب". 5
1- الروح لابن القيم ص52 ـ 54، شرح الطحاوية ص467 ـ 468.
2- انظر مجموع الفتاوى 16/36.
3- معناه: أبيت أن أجزم بأن المراد أربعون يوماً، أو سنة، أو شهراً بل الذي أجزم به أنها أربعون على سبيل الإجمال.
4- عجب الذنب: عظم الطيف في أصل الصلب، وهو رأس العصعص، وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع ذكره الحافظ في "هدي الساري في مقدمة فتح الباري" ص153.
5- صحيح البخاري 3/182، صحيح مسلم 4/2270 ـ 2271 واللفظ له.