من سورة الزمر يتبين وجه دلالتها على أن المبعوث هو الأجساد الدنيوية وليست أجساداً أخرى.
وقد اختلف الناس هل المبعوث هو الجسد الأول بعينه أو غيره؟
ذكر شارح المواقف عن الحليمي والغزالي1 والراغب ومعمر من المعتزلة وبعض الإمامية والصوفية أنهم قالوا: "الإنسان بالحقيقة هو النفس الناطقة وهي المكلف والمطيع والعاصي والمثاب والمعاقب والبدن يجري منها مجرى الآلة والنفس الباقية بعد فساد البدن فإذا أراد الله تعالى حشر أجساد الخلائق خلق لكل واحد من الأرواح بدناً تتعلق به الروح وتتصرف فيه كما كان في الدنيا2" وهذا مذهب فاسد كما سنبين قريباً فساده من حيث أنه مخالف للكتاب والسنة في بيانهما صفة الإعادة بعد الموت.
ثانياً: مذهب السلف في صفة الإعادة:
قال شارح الطحاوية: "والقول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء أن الأجسام تنقلب من حال إلى حال، فتستحيل تراباً، ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما إستحال في النشأة الأولى، فإنه كان نطفة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاماً ولحماً، ثم أنشأه خلقاً سوياً، كذلك الإعادة يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم ومنه يركب 3 ".
فالنشأتان نوعان تحت جنس يتفقان ويتماثلان من وجه، ويفترقان ويتنوعان من وجه، والمعاد هو الأول بعينه، وإن كان بين لوازم البداءة فرق، فعجب الذنب هو الذي يبقى، وأما سائره فيستحيل فيعاد من المادة التي استحال إليها، ومعلوم أن من رأى شخصاً وهو صغير، ثم رآه وقد صار شيخاً علم أن هذا هو ذاك مع أنه دائماً في تحلل وإستحالة، وكذلك سائر الحيوان والنبات فمن رأى شجرة وهي صغيرة ثم رآها كبيرة قال هذه تلك. ثم
1- الغزالي له قول آخر. وهو القول بإعادة الجسد الأول بعينه. "انظر كتابه الاقتصاد في فن الاعتقاد ص180 ـ 182.
2- المواقف بشرح الجرجاني 8/289 وانظر: "كتاب محمد عبده" بين الفلاسفة والمتكلمين 2/607 وما بعدها تحقيق سليمان ديبا.
3- صحيح البخاري 3/182، صحيح مسلم 4/2270 ـ 2271.