قال: "وليست صفة تلك النشأة الثانية مماثلة لصفة هذه النشأة حتى يقال: إن الصفات هي المغيرة لا سيما أهل الجنة إذا دخلوها فإنهم يدخلونها على صورة آدم طوله ستون ذراعاً كما ثبت في الصحيحين وغيرهما وروي أن عرضه سبعة أذرع، وتلك نشأة باقية غير معرضة للآفات وهذه نشأة فانية معرضة للآفات"1.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لقد إضطرب علماء الكلام في المعاد، ومعرفة المعاد مبنية على المبدأ، والمبعث مبني على الخلق فقال بعضهم هو تفريق تلك الأجزاء، ثم جمعها وهي باقية بأعيانها".
وقال بعضهم: بل يعيدها ويعدم الأعراض القائمة بها، ثم يعيدها، وإذا أعادهما فإنه يعيد تلك الجواهر التي كانت باقية إلى أن فصلت في هذا الإنسان.
ولهذا اضطربوا لما قيل لهم فالإنسان إذا أكله حيوان آخر فإن أعيدت تلك الجواهر من الأول نقصت من الثاني وبالعكس، أما على قول من يقول: إنها تفرق، ثم تجمع فقيل له: تلك الجواهر إن جمعت للآكل نقصت من المأكول، وإن أعيدت للمأكول نقصت من الآكل.
وأما الذي يقول: تعدم ثم تعاد بأعيانها فقيل له أتعدم لما أكلها أم قبل أن يأكلها؟.
فإن كان بعد أن أكلها فإنها تعاد في الآكل فينقص المأكول، وإن كان قبل الأكل، فالآكل لم يأكل جواهر فهذه مكابرة. وبعد أن أورد هذه الشبهة التي أبطلت كلا الرأيين لعلماء الكلام قرر ما هو الحق في المسألة فقال: "والمشهور أن الإنسان يبلى ويصير تراباً كما خلق من تراب، وبذلك أخبر الله، فإن قيل: إنه إذا صار تراباً عدمت الجواهر، فهو لما خلق من تراب عدمت أيضاً تلك الجواهر، فجعل الجواهر باقية في جميع الإستحالات إلا إذا صار تراباً تناقض بين ويلزمهم عليه الحيوان المأكول وغير ذلك". أ. هـ2.
وقال العلامة ابن القيم "وأما خلقه ـ سبحانه ـ فإنه أوجده لحكمة في إيجاده فإذا اقتضت حكمته إعدامه جملة أعدمه، وأحدث بدله، وإذا اقتضت حكمته تبديله وتغييره وتحويله من صورة إلى صورة بدله وغيره ولم يعدمه جملة.
1- شرح الطحاوية ص 463 ـ 464، وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/248.
2- النبوات ص82 ـ 83، وانظر مجموع الفتاوى 17/246 ـ 247.