وفي الحديث دلالة على أن كل إنسان سيرى جزاء عمله ويوفى به إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
ومنها ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله ـ تعالى ـ عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فذكر الغلول ـ فعظمه وعظم أمره قال: "لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة 1. يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، أو على رقبته بعير له رغاء2 يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، أو على رقبته رقاع3 تخفق فيقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك"4.
وقال البخاري رحمه الله ـ تعالى ـ: حدثنا أبو اليمان أخبرنا شبيب عن الزهري قال أخبرني عروة عن أبي حميد الساعدي أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ استعمل عاملاً فجاء العامل حيث فرغ من عمله فقال يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدي إلي فقال له: "أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى لك أم لا؟ " ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيّة بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "أما بعد فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول هذا من عملكم وهذا أهدي لي؟ أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى له أم لا؟ فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيراً جاء به له رغاء، وإن كان بقرة جاء بها لها خوار5 وإن كانت شاة جاء بها تيعر6 فقد بلغت" فقال أبو حميد، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده حتى إنا لننظر إلى عفرة إبطيه، قال أبو حميد: وقد سمع ذلك معي زيد بن ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم7.
هذان الحديثان فيهما بيان لخطورة الغلول، وفيهما دلالة واضحة على أن الجزاء من جنس العمل.
1- جاء في النهاية لابن الأثير: الحمحمة: صوت الفرس دون الصهيل 1/436.
2- جاء في النهاية: الرغاء: صوت الإبل 2/240.
3- قال ابن الأثير: أراد بالرقاع ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع. النهاية 2253.
4- صحيح البخاري مع الفتح 6/185، صحيح مسلم 3/1461 ـ 1462.
5- الخوار: صوت البقرة. النهاية 2/87.
6- هو صوت الشاة الشديد، ذكره الحافظ في الفتح 13/166.
7- صحيح البخاري 4/149، وانظر سنن أبي داود 2/121 ـ 122.