وأما القدرية الجبرية: فقد أصابوا في نفي المعاوضة ولازمهم الخطأ في نفي السببية والحق في هذه المسألة بين ذلك وهو أن المثبت في الآيات باء السببية والمنفي في الأحاديث باء المعاوضة والمقابلة كما تقدم في كلام ابن القيم رحمه الله ـ تعالى ـ فقد وفق الله أهل السنة لما اختلف فيه من الحق بإذنه حيث جمعوا ما مع الطائفتين من الحق والصواب فكانوا أسعد بالحق منهما وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم1.
وبعد هذا الاستطراد اليسير الذي تحتم الإتيان به هنا ليتناسب مع الآيات والأحاديث التي تقدم ذكرها نعود إلى ما نحن بصدد البحث حوله من بيان صفة أرض الجنة التي يرثها عباد الله المتقون فنقول: إنه لا يستطيع أحد أن يصفها لنا كما هي عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنستمع إلى ما جاء عنه في ذلك.
روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ... قال في حديث الإسراء "ثم انطلق بي جبرائيل حتى أتى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدري ما هي قال: ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ2 اللؤلؤ وإذا ترابها المسك"3.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة؟ فقال: "درمكة بيضاء مسك خالص"4.
قال النووي: "قوله في تربة الجنة "هي درمكة بيضاء مسك خالص" قال العلماء: معناه أنها في البياض درمكة وفي الطيب مسك والدرمك هو الدقيق الحواري الخالص البياض" اهـ5.
وروى الإمام أحمد وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة ذهب، ولبنة فضة، وملاطها6 المسك
1- مستفاد من كتاب مفتاح دار السعادة 2/92.
2- جنابذ اللؤلؤ: قباب اللؤلؤ شرح النووي 2/222، فتح الباري 1/463 ـ 364.
3- صحيح البخاري 2/232، صحيح مسلم 1/149.
4- 4/2243.
5- شرح النووي 18/52.
6- الملاط: الطين الذي يجعل بين ساقي البناء يملط به الحائط. أي يخلط" اهـ ... النهاية لابن الأثير 4/357.